12 نوفمبر 2024
المواقف الدولية بشأن الأزمة في الخليج... إجماع على الحل السلمي وتضارب أميركي
أعلنت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، صباح الخامس من يونيو/ حزيران 2017، قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، ومنع العبور في أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، وإمهال المقيمين والزائرين من مواطنيها فترةً محدّدةً لمغادرتها، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها، وإعطاء المقيمين والزائرين منهم مهلة أسبوعين للخروج.
وفور الإعلان عن الخطوة غير المسبوقة في التعاطي الخليجي – الخليجي، بدأ السباق باتجاه استمالة أكبر عددٍ ممكنٍ من دول المنطقة والعالم بين أطراف الأزمة. وبينما نجحت السعودية والإمارات في دفع دولٍ صغيرة وهامشية في الانضمام إليها في مقاطعة قطر، وسيلةً لإجبارها (قطر) على الخضوع، تعاطت القوى الإقليمية والدولية الكبرى الأخرى، إذا استثنينا التضارب في الموقف الأميركي، بمسؤوليةٍ أكبر تجاه الأزمة، وطالب أكثرها بحلها عن طريق الحوار.
الموقف الأميركي.. تضارب يعقد المشهد
جاءت ردة الفعل الأولية على الأزمة من وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي طالب، في أثناء زيارته أستراليا، بضرورة حل الأزمة بطرق سلمية. لكنّ الموقف الأميركي دخل بعد ذلك في حالةٍ من الغموض والتضارب، عندما نشر الرئيس دونالد ترامب تغريدةً على حسابه على "توتير" في اليوم التالي (6 حزيران/ يونيو)، تبنى فيها مواقف الدول المحاصرة، وأكد أنّ ما حصل أحد ثمار زيارته إلى المنطقة، في إشارة إلى قمة الرياض التي طالب فيها ببذل مزيد من الجهود لمواجهة ما أسماه "الإرهاب الإسلامي بكل أشكاله"، مشيرًا إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى جانب تنظيمي القاعدة وداعش. وقد امتد التناقض في الموقف الأميركي ليشمل وزارة الدفاع (البنتاغون) التي أشادت بالجهود التي تبذلها قطر في محاربة تمويل الإرهاب. وكان ترامب نفسه قد أعلن في مؤتمر الرياض أن قطر حليف إستراتيجي في مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من أن التضارب في مواقف إدارة ترامب بدا كأنه انتهى مع تكليف وزارة
الخارجية بملف إدارة الأزمة الخليجية، فإنه بعد أقل من ساعةٍ فقط على تصريح تيلرسون بتخفيف الحصار عن قطر وحل الأزمة بالحوار، عاد ترامب ليتهم قطر "بتمويل الإرهاب وعلى أعلى المستويات"، ورأى أن الخطوات التي تقودها السعودية ضد قطر "صعبة ولكنها ضرورية". وبدا ترامب كأنه يقوّض موقف وزير خارجيته وصدقيته في حلّ الأزمة.
أكدت تصريحات ترامب وجود انقسامٍ عميقٍ في إدارته بين التيار الواقعي الذي تمثله وزارتا الخارجية والدفاع، ويحرص على المحافظة على وحدة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في الحرب ضد تنظيم داعش، والذي تعد قطر جزءًا أساسيًا منه وشريكًا إستراتيجيًا فيه، وبين تيار شعبوي يرى كلّ ما هو إسلاميٌ إرهابيًا وكلّ عملٍ خيريٍ تمويلًا للإرهاب. ويقدّم التيار الأخير العلاقات الدولية بلغة التجارة؛ فهو مستعدٌ لتسويق الصمت عن اتهام السعودية بتوليد الإرهاب مقابل الصفقات التجارية. من جهة ثانية، سرى اعتقادٌ بأن ترامب ربما يستغل الأزمة الخليجية، ويحاول تأجيجها لصرف الانتباه عن كابوس التحقيقات في موضوع التدخّل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية، والذي بدأ يأخذ مسارًا أكثر جديةً بعد الشهادة التي أدلى بها المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، واتهم فيها ترامب بالكذب في أسباب إقالته من منصبه، وأنه أقاله بسبب إصراره على المضي في التحقيقات بموضوع التدخل الروسي وعلاقة مساعدين لترامب بروسيا.
تمنح تصريحات ترامب غطاءً للحصار، في حين تسعى المؤسسة الأميركية، ممثلةً بالخارجية والدفاع للتوصل إلى حلّ، لا سيما أنّ ثمّة تقدمًا في الملفات بين قطر وأميركا، بما في ذلك موضوعات متعلقة بملفات تمويل الإرهاب. ولا يُستبعد أن يؤدي الاتجاهان السائدان دورَ "الشرطي السيء" و"الشرطي الجيد" في الضغط على قطر، بشكل يتجاوب مع أهداف الحصار. ومن هنا، تكمن أهمية متابعة ما يجري في واشنطن في هذه المرحلة.
وعلى مستوى وسائل الإعلام، على الرغم من الاستثمار الإماراتي المالي الكبير في الإعلام والعلاقات العامة، فإنّ أغلبية وسائل الإعلام الكبرى تبدي شكوكًا في الرواية السعودية الإماراتية، ولا تميل إلى تصديق ترامب أصلًا. وهذا ما فعله اصطفاف ترامب مع الإمارات والسعودية على المستوى العالمي، حيث لا يحظى بالشعبية التي يحظى بها في هذين البلدين على أقل تقدير.
المواقف الأوروبية.. توازن بنكهة المصالح
بدا الموقف الألماني من الأزمة الخليجية، منذ اندلاعها، صريحًا وواضحًا؛ إذ طالب وزير
الخارجية الألماني، غابرييل زيغمار، بضرورة رفع الحصار المفروض على قطر، لأنه يضرّ جهود محاربة الإرهاب. وقد جاء الموقف الألماني من الأزمة، في جزءٍ منه، ردة فعلٍ على سياسات الرئيس ترامب في منطقة الخليج وتجاه الاتحاد الأوروبي، حيث أخذت ألمانيا تحاول القيام بدورٍ أكثر فاعلية دوليًا من خلال البوابة الأوروبية، خصوصا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا. واتضح ذلك الميل في السلوك الألماني في تصريحات زيغمار لصحيفة هاندلسبلات الألمانية، تعليقًا على الأزمة الخليجية؛ إذ قال إن انتهاج مثل هذا الأسلوب "الترامبي" (بتعبيره) في التعامل مع قطر "يشكل خطورةً كبيرةً جدًا في منطقة هي، في الأساس، مشحونة بالأزمات. إن الاستمرار في التصعيد ليس في مصلحة أحد".
أما فرنسا، فقد دعت إلى حل الخلاف الخليجي بالحوار، إذ أعرب الرئيس ماكرون عن تأييد بلاده كلّ المبادرات الداعمة لتعزيز التهدئة. وأبدى بيانٌ صادرٌ عن الرئاسة الفرنسية عزم باريس القيام بمساعٍ وجهودٍ من خلال التشاور مع الدول الصديقة لإيجاد حل للأزمة. وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، زار فرنسا وألمانيا، للحصول على دعمهما لخطوة محاصرة قطر، إلا أنه وجد صدودًا كبيرًا، خصوصا في برلين. ولذلك كانت المحطة الخارجية الأولى لوزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتقى فيها وزير الخارجية الألماني الذي أكد مجددًا رفض بلاده الحصار المفروض على دولة قطر، واعتبر قطر شريكًا إستراتيجيًا في مكافحة الإرهاب، وأنها طرفٌ مهمٌ في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، وأن إضعافها هو إضعاف لتلك الحرب.
اتسم الموقف الروسي، مع بداية الأزمة، بالحذر، لكنّه لم يلبث أن تطور، عندما عرضت موسكو تزويد قطر بالمواد الغذائية نتيجة الحصار الذي تتعرّض له. كما دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تسوية الأزمة على طاولة الحوار "من أجل إزالة كل ما يبعث على القلق". ثمّ أكد لافروف هذا الموقف، في مؤتمر صحافي جمعه مع وزير الخارجية القطري، إذ قال: "إن قرار بعض الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة أثار قلق موسكو، فروسيا لا يمكن أن يسرّها تدهور العلاقات بين شركائها". ويبين هذا الموقف أن موسكو لم تنجرَّ الى تأييد المواقف السعودية والإماراتية ضد قطر، على الرغم من العلاقة الوثيقة التي بنتها أبو ظبي مع موسكو، وخصوصا أنّ ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قام بدورٍ بارزٍ في إنشاء قناة تواصل خلفية بين الكرملين وإدارة الرئيس دونالد ترامب.
المواقف الإقليمية.. فرص ومخاطر
تلقفت إيران الهجمة الإعلامية على قطر منذ بدايتها في 24 أيار/ مايو 2017، باعتبارها فرصةً لتقوية مواقفها في مواجهة السعودية، وبخاصة أنّها عدّت قمة الرياض موجّهة ضدها، كما رأت أنّ الأزمة الخليجية من إفرازات هذه القمة وزيارة ترامب السعودية. لذلك، بادر
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الاتصال بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بتاريخ 27 أيار/ مايو 2017، تحدث فيه عن أهمية الحوار المتكافئ بين الدول المطلة على الخليج. ومع انتقال الهجمة من المستوى الإعلامي إلى المستوى الدبلوماسي وإغلاق الحدود مع قطر، أعرب اتحاد المصدّرين الزراعيين الإيرانيين عن استعداد إيران لتزويد قطر بالمواد الغذائية، بدلًا من التي كانت تصل إليها عن طريق الدول الخليجية، وبخاصة السعودية. وفي 11 حزيران/ يونيو 2017، أرسلت إيران إلى قطر خمس طائراتٍ تحمل أطنانًا من الخضروات والفواكه.
وتستعد إيران للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من الأزمة الخليجية، اقتصاديًا وسياسيًا؛ إذ ستصبح السوق القطرية التي تستورد ما قيمته أربعة مليارات دولار من المواد الغذائية سنويًا منفذًا مهمًا لتصدير المنتجات الغذائية والبضائع الإيرانية الأخرى، خصوصا في ضوء القرب الجغرافي بين البلدين، وهو ما سيرفع حجم التبادل التجاري بين إيران وقطر، الذي لا تتجاوز قيمته حاليًا 300 مليون دولار. إضافة إلى ذلك، وبعد سنواتٍ من التوتر، سوف تطمح إيران إلى "التنسيق" مع قطر في ملفات إقليمية عديدة، لمواجهة السياسة الخارجية السعودية التي باتت تستهدف البلدين معًا.
أما تركيا فقد عمدت، مباشرةً بعد قطع الدول الخليجية الثلاث علاقاتها مع قطر، إلى محاولة القيام بدور الوسيط لحل الأزمة الدبلوماسية، فقد أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي، محادثاتٍ هاتفية مع أمير قطر وملك السعودية وأمير الكويت، عرض فيها المساعدة لحل الأزمة. لكنّ الدول التي فرضت الحصار لم تتجاوب مع المبادرة التركية، واستمرت في حملتها الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية على قطر. فانتقلت تركيا إلى دعم الحليف القطري، بتسريع تصديق اتفاقيات عسكرية سابقة بين الدولتين؛ فعقد البرلمان التركي جلسةً طارئةً في 7 حزيران/ يونيو 2017 لتصديق معاهدةٍ تسمح لتركيا بإقامة قاعدة عسكرية في قطر. وعلى الصعيد الاقتصادي، سارعت تركيا إلى تزويد قطر بالبضائع والمنتجات الغذائية التركية الأساسية. وقد مثّل الدعم التركي لقطر عاملَ توازنٍ مهمٍ في الأزمة، واعتبر الرئيس التركي أن قرار إقامة قاعدة عسكرية في قطر يهدف إلى حماية منطقة أمن الخليج بشكل عام، وأنها ليست موجهةً ضد أي دولة خليجية.
خاتمة
على الرغم من الحملة الإعلامية الشديدة، والجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها دول الحصار الخليجية للحصول على دعم إقليمي ودولي لمحاصرة قطر، فإنّ النتائج جاءت هزيلة، فلم تنضمّ إلى الحصار إلا دولٌ هامشية، جرى ترغيب بعضها وتهديد بعضها الآخر، بينما رفضت الانضمام إلى حملة مقاطعة قطر حتى الدول التي كان يُعتقد أنّ تأييدها مضمونٌ، مثل المغرب والصومال والسودان. أما الدول الإقليمية والدولية الكبيرة فقد آثرت اتخاذ مواقف أكثر توازنًا، وأجمع أكثرها على دعوة أطراف الأزمة إلى حلها عبر الحوار، فيما عرض بعضها الآخر الوساطة. وقد شكّلت هذه المواقف عامل ضغطٍ على دول الحصار، فأخذت تتراجع عن بعض إجراءاتها العقابية، وخصوصا التي شملت الشعوب الخليجية، وشكّلت مصدر إحراجٍ كبيرٍ لها. إنّ هذه المواقف الإقليمية والدولية إن لم تؤدّ إلى إيجاد حلٍ للأزمة، فإنها ستشكل على الأرجح كابحًا لأي إجراءات تصعيدية ضد قطر.
وفور الإعلان عن الخطوة غير المسبوقة في التعاطي الخليجي – الخليجي، بدأ السباق باتجاه استمالة أكبر عددٍ ممكنٍ من دول المنطقة والعالم بين أطراف الأزمة. وبينما نجحت السعودية والإمارات في دفع دولٍ صغيرة وهامشية في الانضمام إليها في مقاطعة قطر، وسيلةً لإجبارها (قطر) على الخضوع، تعاطت القوى الإقليمية والدولية الكبرى الأخرى، إذا استثنينا التضارب في الموقف الأميركي، بمسؤوليةٍ أكبر تجاه الأزمة، وطالب أكثرها بحلها عن طريق الحوار.
الموقف الأميركي.. تضارب يعقد المشهد
جاءت ردة الفعل الأولية على الأزمة من وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي طالب، في أثناء زيارته أستراليا، بضرورة حل الأزمة بطرق سلمية. لكنّ الموقف الأميركي دخل بعد ذلك في حالةٍ من الغموض والتضارب، عندما نشر الرئيس دونالد ترامب تغريدةً على حسابه على "توتير" في اليوم التالي (6 حزيران/ يونيو)، تبنى فيها مواقف الدول المحاصرة، وأكد أنّ ما حصل أحد ثمار زيارته إلى المنطقة، في إشارة إلى قمة الرياض التي طالب فيها ببذل مزيد من الجهود لمواجهة ما أسماه "الإرهاب الإسلامي بكل أشكاله"، مشيرًا إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى جانب تنظيمي القاعدة وداعش. وقد امتد التناقض في الموقف الأميركي ليشمل وزارة الدفاع (البنتاغون) التي أشادت بالجهود التي تبذلها قطر في محاربة تمويل الإرهاب. وكان ترامب نفسه قد أعلن في مؤتمر الرياض أن قطر حليف إستراتيجي في مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من أن التضارب في مواقف إدارة ترامب بدا كأنه انتهى مع تكليف وزارة
أكدت تصريحات ترامب وجود انقسامٍ عميقٍ في إدارته بين التيار الواقعي الذي تمثله وزارتا الخارجية والدفاع، ويحرص على المحافظة على وحدة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في الحرب ضد تنظيم داعش، والذي تعد قطر جزءًا أساسيًا منه وشريكًا إستراتيجيًا فيه، وبين تيار شعبوي يرى كلّ ما هو إسلاميٌ إرهابيًا وكلّ عملٍ خيريٍ تمويلًا للإرهاب. ويقدّم التيار الأخير العلاقات الدولية بلغة التجارة؛ فهو مستعدٌ لتسويق الصمت عن اتهام السعودية بتوليد الإرهاب مقابل الصفقات التجارية. من جهة ثانية، سرى اعتقادٌ بأن ترامب ربما يستغل الأزمة الخليجية، ويحاول تأجيجها لصرف الانتباه عن كابوس التحقيقات في موضوع التدخّل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية، والذي بدأ يأخذ مسارًا أكثر جديةً بعد الشهادة التي أدلى بها المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، واتهم فيها ترامب بالكذب في أسباب إقالته من منصبه، وأنه أقاله بسبب إصراره على المضي في التحقيقات بموضوع التدخل الروسي وعلاقة مساعدين لترامب بروسيا.
تمنح تصريحات ترامب غطاءً للحصار، في حين تسعى المؤسسة الأميركية، ممثلةً بالخارجية والدفاع للتوصل إلى حلّ، لا سيما أنّ ثمّة تقدمًا في الملفات بين قطر وأميركا، بما في ذلك موضوعات متعلقة بملفات تمويل الإرهاب. ولا يُستبعد أن يؤدي الاتجاهان السائدان دورَ "الشرطي السيء" و"الشرطي الجيد" في الضغط على قطر، بشكل يتجاوب مع أهداف الحصار. ومن هنا، تكمن أهمية متابعة ما يجري في واشنطن في هذه المرحلة.
وعلى مستوى وسائل الإعلام، على الرغم من الاستثمار الإماراتي المالي الكبير في الإعلام والعلاقات العامة، فإنّ أغلبية وسائل الإعلام الكبرى تبدي شكوكًا في الرواية السعودية الإماراتية، ولا تميل إلى تصديق ترامب أصلًا. وهذا ما فعله اصطفاف ترامب مع الإمارات والسعودية على المستوى العالمي، حيث لا يحظى بالشعبية التي يحظى بها في هذين البلدين على أقل تقدير.
المواقف الأوروبية.. توازن بنكهة المصالح
بدا الموقف الألماني من الأزمة الخليجية، منذ اندلاعها، صريحًا وواضحًا؛ إذ طالب وزير
أما فرنسا، فقد دعت إلى حل الخلاف الخليجي بالحوار، إذ أعرب الرئيس ماكرون عن تأييد بلاده كلّ المبادرات الداعمة لتعزيز التهدئة. وأبدى بيانٌ صادرٌ عن الرئاسة الفرنسية عزم باريس القيام بمساعٍ وجهودٍ من خلال التشاور مع الدول الصديقة لإيجاد حل للأزمة. وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، زار فرنسا وألمانيا، للحصول على دعمهما لخطوة محاصرة قطر، إلا أنه وجد صدودًا كبيرًا، خصوصا في برلين. ولذلك كانت المحطة الخارجية الأولى لوزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتقى فيها وزير الخارجية الألماني الذي أكد مجددًا رفض بلاده الحصار المفروض على دولة قطر، واعتبر قطر شريكًا إستراتيجيًا في مكافحة الإرهاب، وأنها طرفٌ مهمٌ في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، وأن إضعافها هو إضعاف لتلك الحرب.
اتسم الموقف الروسي، مع بداية الأزمة، بالحذر، لكنّه لم يلبث أن تطور، عندما عرضت موسكو تزويد قطر بالمواد الغذائية نتيجة الحصار الذي تتعرّض له. كما دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تسوية الأزمة على طاولة الحوار "من أجل إزالة كل ما يبعث على القلق". ثمّ أكد لافروف هذا الموقف، في مؤتمر صحافي جمعه مع وزير الخارجية القطري، إذ قال: "إن قرار بعض الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة أثار قلق موسكو، فروسيا لا يمكن أن يسرّها تدهور العلاقات بين شركائها". ويبين هذا الموقف أن موسكو لم تنجرَّ الى تأييد المواقف السعودية والإماراتية ضد قطر، على الرغم من العلاقة الوثيقة التي بنتها أبو ظبي مع موسكو، وخصوصا أنّ ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قام بدورٍ بارزٍ في إنشاء قناة تواصل خلفية بين الكرملين وإدارة الرئيس دونالد ترامب.
المواقف الإقليمية.. فرص ومخاطر
تلقفت إيران الهجمة الإعلامية على قطر منذ بدايتها في 24 أيار/ مايو 2017، باعتبارها فرصةً لتقوية مواقفها في مواجهة السعودية، وبخاصة أنّها عدّت قمة الرياض موجّهة ضدها، كما رأت أنّ الأزمة الخليجية من إفرازات هذه القمة وزيارة ترامب السعودية. لذلك، بادر
وتستعد إيران للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من الأزمة الخليجية، اقتصاديًا وسياسيًا؛ إذ ستصبح السوق القطرية التي تستورد ما قيمته أربعة مليارات دولار من المواد الغذائية سنويًا منفذًا مهمًا لتصدير المنتجات الغذائية والبضائع الإيرانية الأخرى، خصوصا في ضوء القرب الجغرافي بين البلدين، وهو ما سيرفع حجم التبادل التجاري بين إيران وقطر، الذي لا تتجاوز قيمته حاليًا 300 مليون دولار. إضافة إلى ذلك، وبعد سنواتٍ من التوتر، سوف تطمح إيران إلى "التنسيق" مع قطر في ملفات إقليمية عديدة، لمواجهة السياسة الخارجية السعودية التي باتت تستهدف البلدين معًا.
أما تركيا فقد عمدت، مباشرةً بعد قطع الدول الخليجية الثلاث علاقاتها مع قطر، إلى محاولة القيام بدور الوسيط لحل الأزمة الدبلوماسية، فقد أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي، محادثاتٍ هاتفية مع أمير قطر وملك السعودية وأمير الكويت، عرض فيها المساعدة لحل الأزمة. لكنّ الدول التي فرضت الحصار لم تتجاوب مع المبادرة التركية، واستمرت في حملتها الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية على قطر. فانتقلت تركيا إلى دعم الحليف القطري، بتسريع تصديق اتفاقيات عسكرية سابقة بين الدولتين؛ فعقد البرلمان التركي جلسةً طارئةً في 7 حزيران/ يونيو 2017 لتصديق معاهدةٍ تسمح لتركيا بإقامة قاعدة عسكرية في قطر. وعلى الصعيد الاقتصادي، سارعت تركيا إلى تزويد قطر بالبضائع والمنتجات الغذائية التركية الأساسية. وقد مثّل الدعم التركي لقطر عاملَ توازنٍ مهمٍ في الأزمة، واعتبر الرئيس التركي أن قرار إقامة قاعدة عسكرية في قطر يهدف إلى حماية منطقة أمن الخليج بشكل عام، وأنها ليست موجهةً ضد أي دولة خليجية.
خاتمة
على الرغم من الحملة الإعلامية الشديدة، والجهود الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها دول الحصار الخليجية للحصول على دعم إقليمي ودولي لمحاصرة قطر، فإنّ النتائج جاءت هزيلة، فلم تنضمّ إلى الحصار إلا دولٌ هامشية، جرى ترغيب بعضها وتهديد بعضها الآخر، بينما رفضت الانضمام إلى حملة مقاطعة قطر حتى الدول التي كان يُعتقد أنّ تأييدها مضمونٌ، مثل المغرب والصومال والسودان. أما الدول الإقليمية والدولية الكبيرة فقد آثرت اتخاذ مواقف أكثر توازنًا، وأجمع أكثرها على دعوة أطراف الأزمة إلى حلها عبر الحوار، فيما عرض بعضها الآخر الوساطة. وقد شكّلت هذه المواقف عامل ضغطٍ على دول الحصار، فأخذت تتراجع عن بعض إجراءاتها العقابية، وخصوصا التي شملت الشعوب الخليجية، وشكّلت مصدر إحراجٍ كبيرٍ لها. إنّ هذه المواقف الإقليمية والدولية إن لم تؤدّ إلى إيجاد حلٍ للأزمة، فإنها ستشكل على الأرجح كابحًا لأي إجراءات تصعيدية ضد قطر.