وردتان لعصام سلطان وحسام أبو البخاري

01 يونيو 2017

عصام سلطان وحسام أبو البخاري

+ الخط -
للحقّ أهله، وللعدل أهله، بلا تدليس ولا مصلحة. سيفان في الحق جرّدا للثورة، ومع الثورة، وفي القلب منها كانا. لا أحدهما خاف مرة، ولا انحنى، ولا هادن، ولا ضاع في ميوعة المواقف، فعرفت الذئاب، من بعيد، خطورة الاثنين معا. كانا معا كزهرتين للعدل، وكشوكتين أيضا في حلق الجائر الذي يخطط بليل، فعرف الجائر جمال صيده، فصاد بلا رحمةٍ ولا عقل، وساعدت الجائر ذئابٌ صغيرة من كل حدب وصوب، وتطوّعت أيضا فئران ودجاج ومخبرو مقاهي تحت الطلب، حتى وصل الأمر بعادل إمام نفسه، قائلا في مكالمة هاتفية لعصام سلطان في برنامج: "ما تهمد شوية كده"، وكأنها (رسالة) لتوقيفه أو لتخويفه.
في هذا الشهر من السنة بالذات، تمنح طبيعة الله للأشجار فيض أزهارها بكثافة، فيفرح الأطفال بالزهور العالقة، وتنطّ العصافير مرحا فوق الساقط من الزهر، وكأنها تقاسم الطبيعة جمال السخاء والمنح عن جود وشجاعة، فأتذكّر عطاء حسام أبو البخاري وصلابته في كل الميادين، وأتذكّر صفاء صوت عصام سلطان وحجته، وأقول: الطائر الحر في قفصه أجمل كثيرا من طيور تشرب الذل من "مجارير" الجائرين والقتلة.
عصفوران يتعاركان، محبة، بالقرب من الورد الأحمر، وفراشة بيضاء تعبر هادئةً ناحية الغرب، وكأنها مركبٌ صغير يحدّق بمجدافين فوق خضرة الأرض. قلت هذه أرواح الطيبين تستطلع ما جرى للناس والأرض، وتبتسم على غباء من خان من أجل أيام باهتةٍ على الأرض. كنت أتعجب من لحية حسام أبو البخاري، من غير دجل أو ميوعة، وأتابع من بعيد عزيمته، وهو يفنّد كلام الخصوم في أدبٍ، ويحاور بلطف الدين ومعرفة صاحب السؤال والبحث، وأشفق، في الوقت نفسه، عليه من حقد المتربصين وأصحاب الحاجات والأغراض واللصوص، وكأنهم ساعتها تماما كانوا يأخذون الأراضي رشوةً للقتل المؤجل للطيبين وثمنا للتربّص (من إعلاميين وكتّاب وصحافيين للأسف وضعوا أياديهم على آلاف الأفدنة، والفضائح الآن تزكم الأنوف بالعفن)، ورشوة مستقبلية لقتل الأبرياء فجرا في الميادين من دون أن نعرف.
وظلت سيرة عصام وأبو البخاري كما هي عطرة، وتلوثت أيادي أصحاب الحاجات بقسمة ما تم سرقته من عفن وأفدنة، وفي رقابهم ذنوب الدم معلقة لما شاء الله. تأملت العالم بكل خسّته وأزهاره ووروده وسياراته وحركته، وقلت لنفسي: انزع الحركة عن العالم، أو جنّبها قليلا، فأدركت أن العالم قد يفقد نصف بهجته بلا حركة. قلت ثم انزع عن العالم، أو جنبها قليلا، الأزهار والورد وأشجار الله التي في الطبيعة أو المخيلة، فأحسست أن العالم قد يزول عنه نصف بهجته الثانية أو أقل من ذلك. تأملت حاجة حسام أبو البخاري لكتبه ومكتبته، وتخيلت العالم بلا كتب، فأحسست أن العالم قد يصبح بالفعل، وقد فقد بهجته كاملا أمام شخصٍ يعشق القراءة والكتب والحق. قلت ماذا يتبقى للسجين إذن في سجونٍ يدّعي بانيها أنه يجدّد الخطاب الديني ويدّعي أنه لا يسجن أحدا سياسيا، وتدعي ذئابه أن سجونهم سبع نجوم، ويدّعي الرحمة، ويبكي بالدموع أمام كاميرات الكذب صبح مساء.
قلت: وهذا هو حرمان السجين، فما بالك بحرمان المظلوم عن قصدٍ ونيّةٍ مبيّتة معروفة للعلن، كحالة عصام سلطان وكشفه مخالفات أحمد شفيق وأرض الطيّارين لأولاد حسني مبارك؟ وحمل حسام أبو البخاري جريحا من ميدان رابعة إلى السجن؟
أنا غير سجين، لأنني لم أمتلك حجة عصام ونبله، ولا أمتلك نقاء حسام وعزيمته في الحق، فقط أمتلك أن أمد يدي لوردتين في هذه الحديقة التي دخلتها بعد سنوات مصادفةً، في ظهيرة، وأرى العيال وهم يلعبون. فقط أمتلك أن أهمس للوردتين، وأقول ليتكما تمتلكان الحركة والطيران إلى زنزانتي عصام وحسام، وتحطّان ركبكما هناك قليلا، ثم العودة ثانية إلى الحديقة، وهذا غاية ما أملك.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري