مواجهة الاحتلال وإضراب الأسرى

25 مايو 2017
+ الخط -
مثّل تاريخ 17 من أبريل/ نيسان يوماً مؤرقاً لمراقبين عديدين على السّاحة الإسرائيليّة، فقد أفردت له المواقع العبريّة عناوين مهمّة تنبّأت من خلاله أن يسهم في توتير الأوضاع على الأرض، وخصوصاً أنّ انتفاضة القدس لم تنطفىء شعلتها بعد.
نشر موقع "واللّا" العبري قبل موعد إضراب الأسرى تّحليلاتٍ عديدة تتخوّف من حدوث مواجهات مع قوّات الاحتلال على لسان مسؤولين ومحلّلين سياسيّين إسرائيلييّن، وإن كانوا وضعوها في إطار نزاع الرئيس محمود عباس والأسير القيادي في حركة فتح، مروان البرغوثي، على السلطة، لطمس قضية الأسرى الإنسانية ومطالبهم العادلة، إلا أنّ ما حذّورا منه قد وقع بالفعل.
شكّل دخول إضراب 1700 أسير شهره الثاني في ظلّ تعنّت حكومة الاحتلال وإدارة مصلحة سجونه بعدم التفاوض وتحقيق أيٍّ من مطالب الأسرى، بل وفي ظل صمت عربي رسمي ودولي فظيع يدعوك للتساؤل في أي عالم أصبحنا اليوم، دافعاً أمام الفلسطينيّين للتجاوب مع مطلب الأسرى الأخير بأن يستعملوا خيار المسيرات والتوّجه إلى مناطق التّماس مع المستوطنات الإسرائيليّة والمواجهة مع قوات الاحتلال، فالاعتصامات داخل خيم التضامن لم تعد تجدي نفعاً.
انطلقت المسيرات الشعبيّة في الشوارع في الضفة الغربيّة لتقطع طرق المستوطنات الإسرائيليّة، وحتى كتابة هذه السطور سقط حتى الآن دفاعًا عن قضيّة الأسرى شهيدان، هما، سبأ عبيد من قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، ومعتز بني شمسة من بلدة بيتا، ارتقى شهيدا على يد مستوطن في مسيرة في بلدة حوارة في نابلس.
هذا الحراك تلازم مع مواقف أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها الجهاد الإسلامي على لسان أمينها العام الدكتور رمضان شلّح في كلمته في ذكرى النّكبة، محذّرا الاحتلال من سياسة التعامي والتجاهل للأسرى والتعامل معهم بكل قسوة، فللمقاومة "كلمة في المرحلة المقبلة"، تلاها بعد عدّة أيّام تحذير من الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزة توعّدت فيها الاحتلال الإسرائيلي "باللغة التي يفهمها".
إذاً نحن أمام مرحلة جديدة من قضية الدفاع عن الأسرى، عنوانها حراك شعبي في الشّارع يواجه الجنود والمستوطنين، وعسكري من المنتظر أن يتبلور في المرحلة المقبلة، تمليها ظروف الأسرى، وإن كانت المعلومات الواردة من داخل سجون الاحتلال تنبىء أن لا شيء تغيّر لجهة الإجراءات التعسفيّة من نقل الأسرى المضربين بين السّجون الى عزل قيادات الحركة الأسيرة، ومنع الخروج الى الساحة، وصولاً إلى تقليل كميّات الملح والماء وهي الدعامة الأساسيّة لإضراب الأسرى، إلا إنّ كل تلك الإجراءات لم تفتّ من عضد الأسرى، بل إنّ معركة الأسرى مع السّجان الإسرائيلي ما زالت حامية الوطيس، وما زالت الحركة الأسيرة تدير دفّة المعركة باقتدار وهي في تصاعد، وآخر فصولها توّقف عدد من الأسرى عن شرب الماء وعلى رأسهم مروان البرغوثي، ودخول دفعات جديدة من الأسرى في معركة "الحرية والكرامة".
تاريخ الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي حافل بالتضحيات، فقد سقط منذ 1967 حتى يومنا 209 أسير شهيد، 72 نتيجة التعذيب، و56 نتيجة الإهمال الطبي، و74 نتيجة القتل العمد المباشر، و7 أسرى استشهدوا بعد إصابتهم بأعيرة ناريّة وهم داخل المعتقلات. هذا التاريخ ينبئنا أنّه لو سقط شهداء في هذه المعركة وهم باتوا أقرب من أيّ وقت مضى لتحقيق ذلك، إلا أنّ أسماءهم ستسجل بأحرف من نور على لائحة الشّرف كأسرى شهداء.
هذه المعطيات هي تحت نظر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يصمّ آذانه، ويعمل بكل ما أوتي من قوة على محاربة الأسرى عبر الضّغط على السلطة الفلسطينيّة لقطع رواتب عائلات الأسرى بحملات سياسيّة وإعلاميّة، فقد نشر مكتبه فيلما تحريضياً على الأسرى عنوانه "اقتل إسرائيليين أكثر تحصل على أموال أكبر" في محاولة لقطع التمويل المالي عن السلطة الفلسطينيّة من الدول الداعمة، وحتى استصدار تشريعات من تلك الدول، تمنع مساعدة الأسرى من مساعداتها الماليّة، كذلك قام معهد "ممري" الإسرائيلي الذي يتابع وسائل الإعلام في الشرق الأوسط باتهام عباس والحكومة الفلسطينية بالتحريض عبر وصف المضربين عن الطعام بـ "لأبطال"، فيما ينقل وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان الأسرى المضربين عن الطعام التي تستدعي حالتهم دخول مستشفى، إلى سجون تتوّفر فيها مستشفيات ميدانيّة بعيدا عن تلك المدنيّة.
المكابرة الإسرائيليّة لن تجدي نفعاً، لأنّ المواجهة هي مع الشعب، والأسرى ليسوا رهن أحد لكي تنفع معهم الضغوط السياسيّة والإعلاميّة وحتى الإجراءات الظالمة في السجن، وليس أمام نتنياهو إلا أن يأتي صاغراً للتفاوض مع الأسرى، فهي إما مطرقة اشتعال الشارع أو الدخول في متاهة عسكرية، خياران أحلاهما مر.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)