عن الدولة العربية "المتطرّفة"

14 ابريل 2017
+ الخط -
لا يتوقف الحديث شرقاً وغرباً عن التطرّف الإسلامي، أو ذلك التعصب الإيديولوجي والفكري الذي تتبناه وتمارسه حركاتٌ وتياراتٌ مهووسةٌ بالدين، وبدروه في المجال العام طوعاً وقهراً. في حين لا يتحدّث أحد عن أهم روافد إنتاج هذه الجماعات والتيارات وتغذيتها في منطقتنا، وهو الدولة العربية المتطرّفة. والتطرّف الذي تمارسه هذه الدولة يتجاوز النزوع الإيديولوجي، أو الشطط الفكري، ليصل إلي مرحلة التطرّف في الفعل والسلوك والاستراتيجية. وفي بعض الأحيان، يكون تطرّف الدولة ونظامها السياسي أمراً متعمداً، من أجل تبرير سلطويتها وبقائها في الحكم. وقد رأينا تجارب كهذه في أكثر من بلد عربي وإسلامي، كسورية واليمن وليبيا والجزائر ومصر وباكستان. ففي هذه الحالات، استفادت الأنظمة السلطوية من ظهور جماعاتٍ جهاديةٍ وتكفيريةٍ عنيفةٍ من أجل إحكام قبضتها علي المجال السياسي، وإغلاق الأبواب أمام أي إصلاح حقيقي، وكذلك من أجل دعم شرعيتها الخارجية، وكسب التأييد والتعاطف الدولي.
لذا، والحال كهذه، يصبح إنشاء مجالس وهيئات لمكافحة تطرّف الحركات الراديكالية العنيفة، علي غرار ما أعلنه الجنرال عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، عقب التفجيرات الإرهابية في طنطا والإسكندرية، ليس سوى استخفافٍ وتزّيد، ومحاولة للتعمية على التطرّف السياسي والأمني الذي يمارسه النظام الحاكم في مصر الآن. فما يتبعه هذا النظام، منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، من سياساتٍ متطرّفة تجاه المجتمع وفئاته وطوائفه المختلفة، ساهم، ولا يزال، في تغذية جماعات العنف والإرهاب بشكل غير مسبوق. وليس أدل على ذلك من انتشار الجماعات والخلايا والشبكات العنيفة خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تجاوز عددها العشرات، في حين زادت عمليات العنف والتفجيرات الإرهابية بشكل غير مسبوق خلال الفترة نفسها.
صحيح أنه لا توجد علاقة ميكانيكية أو خطية بين القمع والتطرّف، بدليل وقوع هجمات إرهابية في البلدان الديمقراطية، كما حدث في فرنسا وبلجيكا وألمانيا والسويد وغيرها، ولكن الصحيح أيضاً أن تطرّف الأنظمة السياسية واستباحتها حريات الأفراد وكرامتهم وحياتهم يدفع بهم وبذويهم، في أحيان كثيرة، باتجاه التطرّف ردّ فعل أولاً، ثم توجهاً إيديولوجياً وعقائدياً لاحقاً، وذلك وفق قاعدة "لكل فعل رد فعل...". فعندما يقصف نظام مجرم، مثل نظام بشار الأسد، الأطفال والنساء والرجال والشيوخ بالسلاح الكيماوي، ويشرّدهم ويدمّر منازلهم، وذلك من دون أن يحاسبه أحد، فإن ثمّة جماعات وحركات سوف تستخدم ذلك لترويج إيديولوجيتها المتشدّدة من أجل تبرير استخدام العنف والإرهاب داخل سورية وخارجها.
تستخدم الدولة العربية "المتطرّفة" شعار "الحرب على الإرهاب"، من أجل تبرير تطرّفها وكسب الدعم الداخلي والخارجي له، في حين لا يرغب أحدٌ في مراجعة سياسات هذه الدولة وأدواتها في حربها المزعومة على الإرهاب، فعندما تقتل قوات الجيش أو الشرطة في مصر أطفالاً، أو تحتجز نساءً، في أثناء مطاردتها المشتبه بهم، فإنها بذلك تزرع تطرّفاً وإرهاباً في نفوس ذويهم، وتخلق حالة من العداء والرغبة في الثأر والانتقام. وهي بذلك تغذّي دائرة العنف المغلقة بين السلطة والمواطنين، وذلك مثلما فعل وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، مع أهالي سيناء بعد تفجيرات طابا وشرم الشيخ ودهب بين عامي 2004-2006، حين اعتقل آلافاً من النساء والشيوخ والأطفال من أهالي المشتبه بهم، من أجل إجبارهم على تسليم أنفسهم.
يمثل تطرّف الدولة العربية، خطاباً وسلوكاً ومنهجاً، أحد الروافد الأساسية لتطرّف الجماعات الراديكالية التي تستخدمه حجةً في تبرير خطابها وعملياتها الإرهابية ضد المجتمع. وبدون اعتدال خطاب هذه الدولة وممارساتها تجاه مواطنيها، ستظل المجتمعات العربية تدور في حلقة مفرغة لا تتوقف من العنف والعنف المضاد.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".