01 نوفمبر 2024
"اشتباك" في سماء سورية
لم تكن الغارة الإسرائيلية على الأراضي السورية شيئاً جديداً في السياق الميداني خلال السنوات الست الماضية، وخصوصاً أن طيران الاحتلال لم يتوان عن قصف مجموعة من الأهداف، ونفذ عمليات اغتيالٍ لم تحظ بأي رد عسكري، لا من الجانب السوري، ولا من الطرف الذي نفذت ضده عمليات الاغتيال، والمقصود حزب الله الذي خسر عدداً من كوادره في قصف إسرائيلي، غير أن معطى جديداً ظهر بعد الغارة الأخيرة، تمثّل في الرد السوري بصواريخ مضادة للطائرات، وذلك للمرة الأولى منذ بدء مثل هذه الغارات، ما فسّره بعضهم تغييراً في قواعد الاشتباك في السماء السورية، وذهب آخرون إلى أكثر من ذلك، بالإشارة إلى أن دمشق لن تتوانى بعد اليوم عن مثل هذه الانتهاكات الإسرائيلية.
غير أن الأمور لا تسير بالضرورة وفق هذا المعطى، والذي يبدو مرتبطاً باشتباك روسي إسرائيلي، أكثر منه إسرائيلي سوري، وخصوصاً أنه يأتي بعد زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو، ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، وما رافقه من تسريبٍ حول تفاهم روسي إسرائيلي يتيح لدولة الاحتلال التحرك بحرية في السماء السورية، وهو ما دفع الكرملين إلى الخروج، لنفي مثل هذا التفاهم، وإن كان موجوداً بشكل ضمني طوال السنوات الماضية.
من الواضح أن تسريب هذا التفاهم الضمني، والسعي الإسرائيلي إلى أن يكون علنياً، استفز موسكو ووضعها في موقفٍ محرج مع حلفائها الحاليين، وتحديداً مع إيران التي تعيش معها حالياً حالة من الشد والجذب من ضمن الخلاف حول الأولويات على الأراضي السورية. والنفي السياسي الصادر عن الكرملين قد لا يكون كافياً لنكران وجود مثل هذا التفاهم، فلا بد من حدث عملي على أرض الواقع، يؤكد أن كل ما قيل وتسرب عن لقاء نتنياهو وبوتين ليس له أي أساس حقيقي.
"الاشتباك الجوي" الذي وقع أول من أمس قد يكون عاملاً أساسياً في تأمين هذا النفي عملياً، من دون أي خسائر للطرفين. فمن الواضح أن إعطاء الضوء الأخضر الروسي للرد السوري جاء من دون قصد التسبب بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وإنما إعطاء الانطباع بأن التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية لاحقاً لن يكون من دون رد. وعلى هذا الأساس، لم تكن الصواريخ التي أطلقت على المقاتلة الإسرائيلية من الطراز الحديث، أي "أس 400" التي تقول روسيا إنها نشرتها على الأراضي السورية، بل من طراز "أس 200" التي لم تتمكن من إصابة هدفها. حبك رواية "الاشتباك" تتطلب أيضاً تحركاً إسرائيلياً، وهو ما أمّنته سلطات الاحتلال عبر الإعلان عن إطلاق صواريخ حيتس لاعتراض المقذوف السوري.
قد لا يكون "الاشتباك" مسرحية روسية إسرائيلية بالمطلق، لكنه على الأقل تحرّك روسي أساسي، فإذا لم تكن الغارة الإسرائيلية منسقة مع موسكو، فإن الطرف الروسي استغلها لإثبات براءته من السماح لإسرائيل باختراق الأجواء السورية، وبالتالي، سمح للسوريين أولاً بأن يعلموا بوجود خرق جوي إسرائيلي، وهم الذين لم يكونوا سابقاً يدركون هذا الخرق أو وجود غاراتٍ إلا بعد حدوثها، وأعطى ثانياً الضوء الأخضر لإطلاق القوات السورية الصواريخ المضادة للطائرات، بعد تحديد طرازها، وهو أمر بالتأكيد لم يكن ممكناً بدون هذا الضوء الأخضر.
وسواء كان "الاشتباك" منسقاً بين روسيا وإسرائيل أو مستغلاً من موسكو، فإنه حقق الغرض منه، وهو أقل بكثير جداً من الحديث عن قواعد اشتباك جديدة تفرضها سورية في سمائها المستباحة من كل أنواع الطائرات والتدخلات.
من الواضح أن تسريب هذا التفاهم الضمني، والسعي الإسرائيلي إلى أن يكون علنياً، استفز موسكو ووضعها في موقفٍ محرج مع حلفائها الحاليين، وتحديداً مع إيران التي تعيش معها حالياً حالة من الشد والجذب من ضمن الخلاف حول الأولويات على الأراضي السورية. والنفي السياسي الصادر عن الكرملين قد لا يكون كافياً لنكران وجود مثل هذا التفاهم، فلا بد من حدث عملي على أرض الواقع، يؤكد أن كل ما قيل وتسرب عن لقاء نتنياهو وبوتين ليس له أي أساس حقيقي.
"الاشتباك الجوي" الذي وقع أول من أمس قد يكون عاملاً أساسياً في تأمين هذا النفي عملياً، من دون أي خسائر للطرفين. فمن الواضح أن إعطاء الضوء الأخضر الروسي للرد السوري جاء من دون قصد التسبب بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وإنما إعطاء الانطباع بأن التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية لاحقاً لن يكون من دون رد. وعلى هذا الأساس، لم تكن الصواريخ التي أطلقت على المقاتلة الإسرائيلية من الطراز الحديث، أي "أس 400" التي تقول روسيا إنها نشرتها على الأراضي السورية، بل من طراز "أس 200" التي لم تتمكن من إصابة هدفها. حبك رواية "الاشتباك" تتطلب أيضاً تحركاً إسرائيلياً، وهو ما أمّنته سلطات الاحتلال عبر الإعلان عن إطلاق صواريخ حيتس لاعتراض المقذوف السوري.
قد لا يكون "الاشتباك" مسرحية روسية إسرائيلية بالمطلق، لكنه على الأقل تحرّك روسي أساسي، فإذا لم تكن الغارة الإسرائيلية منسقة مع موسكو، فإن الطرف الروسي استغلها لإثبات براءته من السماح لإسرائيل باختراق الأجواء السورية، وبالتالي، سمح للسوريين أولاً بأن يعلموا بوجود خرق جوي إسرائيلي، وهم الذين لم يكونوا سابقاً يدركون هذا الخرق أو وجود غاراتٍ إلا بعد حدوثها، وأعطى ثانياً الضوء الأخضر لإطلاق القوات السورية الصواريخ المضادة للطائرات، بعد تحديد طرازها، وهو أمر بالتأكيد لم يكن ممكناً بدون هذا الضوء الأخضر.
وسواء كان "الاشتباك" منسقاً بين روسيا وإسرائيل أو مستغلاً من موسكو، فإنه حقق الغرض منه، وهو أقل بكثير جداً من الحديث عن قواعد اشتباك جديدة تفرضها سورية في سمائها المستباحة من كل أنواع الطائرات والتدخلات.