مبارك ورأس الإخوان الناشف

16 مارس 2017
+ الخط -
كان الرهان من دولة العمق في مصر بعد 30/6 على شهرين أو خمسة أو حتى سنة على الأكثر، وبعدها يعود الإخوان المسلمون إلى حظيرة السلطة المغتصبة الجديدة القاهرة، والمتغلبة بالدبابة على الشرعية، والتي ورثها العسكر منذ 1952، فكل التنظيمات اليسارية في مصر تحل نفسها بمجرد دخولها السجون، أو موت منظّريها، أو قادتها، أو تحل بالتراضي وقبول الوظيفة، كما فعل محمود أمين العالم، وخرج بعد حل الحزب الشيوعي من وراء القضبان إلى كرسي مجلس إدارة مؤسسة الأخبار الوثير، إلا أن رأس "الإخوان" الناشف أفشل كل الخطط والمناورات ما يقرب من أربع سنوات، ظل حسني مبارك فيها يلعب في أنفه بسريره متململا، والقضاء يحاور ويناور، حتى زهق الجميع، فأعلنوها صريحة: براءة مبارك.
كانت دولة السطح في العلن تطلق الشائعات بكثافة، عن قبول "الإخوان" المصالحة، وكان مكوكها، تحت الطلب دائما، دكتور سعد الدين إبراهيم، يقوم بذلك بنفسه، نيابة عن دولة العمق، فتسبّه دولة السطح إعلاميا وتهينه، حتى ملّ الرجل اللعبة، فسكت تماما، و"الإخوان" هناك، في سجونهم أو منافيهم أو في الشوارع في قرى مصر كل يوم جمعة، بلا كلل أو ملل.
سلّطت دولة العمق على صمت "الإخوان" ودماغهم الناشف ثروت الخرباوي وكمال الهلباوي ومختار نوح وزعيط ومعيط ونطاط الحيط، وكلهم يقول بالفم المليان: انتهى "الإخوان" في مصر، وما صمتهم سوى آخر نفس للذبيح، ومصر قلبت صفحتهم، ونقطة ومن أول السطر. أعلنوا ذلك بعد أسبوع من الانقلاب، و"الإخوان" هناك في صمتهم أو في الشارع، وكل شهر نرى منهم شهيدا أو أكثر، ومبارك في سريره يرقد تحت البطاطين الوثيرة أمام دولة كاميراته التي يثق فيها جميعا، بالدرجة نفسها لثقته في أحمد موسى وسيد علي وريهام السهلي، وبطاطين أحمد عزّ وحديدة، وصلاة الكنيسة المصرية، ودعوات البابا تواضروس وصلواته وحكمته بأن (نعم تجلب النعم).
ظل ولدا مبارك بكامل هنداميهما يتقبلان تحية الضباط لحظة خروجهما من المحاكمات الشكلية، والمصحف في يد جمال، يحمله أينما تحرّك، وعلاء في صمته وأدبه، حتى ملّت دولة العمق اللعبة، فأطلقوا سراح الابنين، فاستبدل جمال المصحف بالكاميرا، وانطلق بها إلى المطاعم والأهرامات، حتى وصل إلى نجيل دار الأوبرا المصرية. وانطلق علاء إلى عزاء والد أبو تريكة، وكأنها رسالةٌ من دولة العمق تقول فيها: انتهى وقت المباراة الأصلي، ونحن نلعب فقط في آخر دقيقة من الوقت الضائع... بعد هذا المشهد المعدّ بحنكة، أعلن القضاء المصري الشامخ براءة حسني مبارك من كل دماء ثورة يناير.
هل بدأ فصل جديد من المناورة والمصالحة، فصل تعلنه الآن دولة السطح. نعم، بدأ بالفعل، فقد عاد مفكر مبارك بالأمس، مجدي الدقاق، وهو يعلن عن مصالحةٍ مع غير المتورطين في الدم "شيء كده لزوم السخسخة". لو كان المرحوم أنيس منصور على قيد الحياة، وتعمّق في فصل جديد لتحفته "الذين هبطوا من السماء".
الغريب أن الإخوان المسلمين في صمتهم أيضا، وكأنهم في شوقٍ لما سوف يتم في العرض، أو آخره. طبعا هم يعرفون عروضا سابقة، امتدت منذ 1928، أي ما يقرب من 90 سنة عروض. والغريب أنني، والله العظيم، وجدت، في خلال هذه السنوات، من يشبه تماما الهلباوي والخرباوي ومختار نوح وأحمد موسى.. إلخ، وعلى طرف أهل الخير، ظاهريا، وجدت أشباه دكتور سعد الدين إبراهيم، لكنهم كانوا أزاهرة ودراعمة، إلا أنني، للأمانة، لم أجد شبيها في القسوة والتورط من مظهر شاهين وعلي جمعة.
وعموما، ننتظر بدايات الأيام الأولى لعودة مجدي الدقاق إلى العمل العام، ونتمنى رأي الإخوة الناصريين، بعد سماع الأخ عبد الحليم قنديل عن عودة الأوسمة والنياشين كاملة لحسني مبارك، وعزمهم عودة محطة "حسني مبارك ثانية".
وأنهي كلامي على صوت المحامي علاء عبد المنعم سابقا، وعضو مجلس الشعب السابق، ومنسق كتلة السيسي في البرلمان الآن، وهو يقول واثقا وثوق عنترة فوق الجبل بعد الانقلاب بأسبوع: لا بد أن نوصل الإخوان المسلمين إلى قبول التصالح بعد كسرهم نفسيا. .. فهل انكسر الإخوان، تلك هي جهالة من لم يقرأ التاريخ، ويضع حلّ الحزب الشيوعي المصري بيد محمود أمين العالم تميمة منذ أيام عبد الناصر، من دون حتى أن يكلف نفسه عناء فهم "احتساب الدماء عند الله"، من سنة 1928 إلى ما شاء الله.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري