في لبنان... ضرائب وعبودية

25 فبراير 2017
+ الخط -
تناقش الدولة اللبنانية زيادة الضرائب على الشعب اللبناني في الأيام الأخيرة، في سياق بحث قانون الموازنة. قد يكون الهدف، بالنسبة إليها، جباية الأموال الكافية لبناء "دولة قوية وقادرة، وتحقيق جزء من أهداف الشعب وطموحاته". هذا مشروع وجميل، لكن للأسف، الدولة اللبنانية لا تفكّر هكذا، بل فقط في كيفية جني مزيد من الأموال من شعبٍ، بات أكثر من 30% منه تحت خط الفقر المدقع. وهو رقم مهول، قياساً على لبنان.
لا ترغب الدولة في فرض ضرائب على المستثمرين الأجانب، من أجل "تسهيل الاستثمار لهم في لبنان"، ولا تريد فرض الضرائب على المصارف، كي لا تمسّ الودائع الأجنبية فيها، ولا تريد وقف الهدر واستعادة الأموال المنهوبة من كازينو لبنان وصندوق المهجرين وصندوق مجلس الجنوب وغيرها من صناديق، وُلدت في زمن ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، لا لمعالجة ذيولها، بل لإثراء من ولج من أمراء الحرب إلى الهيكلية الرسمية للدولة اللبنانية، كتقاسم "شرعي" لمداخيل السلطة، يتمّم التقاسم "غير الشرعي" الذي ساد أيام حكم المليشيات في لبنان ميدانياً، على الحواجز العسكرية أو عبر الإتاوات أو الخطف مقابل فدية وغيرها.
لا تريد الدولة الامساك بمداخيل البوابات الحدودية، براً وبحراً وجواً، ولا الانتهاء من فوضى الجمارك ومعالجة وضعه، ولا ضبط الرشى في الإدارات العامة، ولا ملاحقة المتعدّين على الأملاك البحرية، ولا معالجة ملف النفايات بأقل كلفةٍ ممكنة. لا تريد الدولة زيادة الاستثمار الداخلي في قطاعات الزراعة والصناعة، أو تحقيق اكتفاء ذاتي في بعض القطاعات. لا تريد معالجة مشكلة الكهرباء، بما يكفل للمواطن دفع فاتورة واحدة لا فاتورتين، فاتورة رسمية وفاتورة لأحد أصحاب المولّدات الخاصة الذي "ينوّر" منزله في غياب الكهرباء الرسمية. لا ترغب الدولة بالتأكيد في معالجة مشكلة الإنترنت، مع أن لبنان على تخوم الشبكات الأكثر تطوراً في القارة الأوروبية. أيضاً لا تودّ الدولة إلغاء امتيازات الرؤساء والنواب والوزراء، الحاليين منهم والسابقين وعائلاتهم، بل تعتبرها "حقوقاً مقدسة لهم". مع العلم أن تلك الامتيازات تطاول الطبابة والتعليم والوقود والهواتف الخلوية وأمورا أخرى. ففي موضوع الطبابة، يعاني 80% من اللبنانيين على أبواب المستشفيات لعدم توفّر الأموال الضرورية لدخولها. وبات "عادياً" أن يموت مواطن على باب مستشفى لعدم قدرته على دفع مائة دولار للدخول والعلاج. سلام على الإنسانية.
في موضوع التعليم، تجد آلاف الأطفال في الشوارع خارج المدرسة، لكن الدولة مصرّة على استضعاف المدارس الرسمية، والسماح بتحوّل المدارس الخاصة إلى شركات تجارية، تدرّ ربحاً على أصحابها، وهم بغالبيتهم رجال دين، مسلمون ومسيحيون. أما في شأن الوقود، فيحدث أن تتحوّل القرى العالية في فصل الشتاء إلى شبه مقابر باردة، لغلاء أسعار المازوت، بينما يتمتع أي مسؤول بالحقّ في ملء خزانات وقود سياراته (بالجملة) مجاناً. أما فاتورة الخليوي في لبنان، فإنها من بين الأغلى في العالم، بسبب حصرها بين شركتين.
لا يريد الباحثون عن زيادة الضرائب سوى التطلّع إلى ما تبقّى من أموال في يد الشعب، لتحويلهم إلى عبيد صاغرين لهم بشكل تامّ، ذلك لأن الضرائب المفروضة، من دون أن تلاقي ردّ فعل شعبيا، ستؤدي إلى تجذّر العبودية في العقلية اللبنانية، ويعيد للسلطة سطوة الإمساك بقرار الشعب، عبر جعل المواطنين يزحفون على أبواب المسؤولين، طلباً لمعونة مادية أو طبية أو تعليمية. تبدأ بدايات الخوف من خلال فرض الضرائب وعدم مواجهتها، ثمّ تتحوّل إلى نمط حياة مسحوق، قبل أن يصبح المواطن آلةً يتم الاستغناء عنها مع انتهاء مدتها، لا إنساناً يستحق الحياة، كهؤلاء الذين يفرضون الضرائب. لا تنسوا أنهم يفعلون باسم "حقوق الطوائف".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".