تعز بين مليشيتين

23 نوفمبر 2017
+ الخط -
في مقابلة تلفزيونية معه، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إنّ الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح سيكون له موقفٌ غير الذي يتبناه الآن إنْ تمكن من الإفلات من الحوثيين. بمعنى آخر، كما أفسّرها: إنّ صالح قد يكون شريكاً للتحالف إنْ أصبح متفرّداً، ويملك قراره. وأعتقد أن محمد بن سلمان كان لا يقصد سياسة فرّق تسد بين الحوثيين وصالح بحديثه، وأيضاً عندما لم يُدرج صالح في قائمة الإرهابيين المطلوبين في الخلية الحوثية، بل كان يعي ما قاله لمحاوره داود الشريان، وكأنه يتحدث عن صديق يعرفه منذ سنوات بعيدة.
من جهة أخرى، قال صالح مغازلاً التحالف، إنّ المشكلة اليمنية تكمن في خلافٍ بيننا نحن، أي بينه والسعودية، وأنّ كل من تعتمد السعودية عليهم، "ويقصد الشرعية اليمنية" هم رعيّته، أو على حد وصفه "خبز يدّه والعجين". فيما بعد راح يضيف، أيضاً، في سياق مخاطبته التحالف، إنّ الموجودين في الشرعية لن ينفعوكم، ولن يوصلوكم إلى طريق، ففي تعز وصرواح ونهم، وكل الجبهات، لن تتقدم الشرعية شبراً واحداً. يريد صالح أن يقول للتحالف، ولنا أيضاً، إنّه رجل السعودية الأول والأخير.
وفقاً لهذه المعزوفة الحزينة، يمكن القول إنّ التحالف يعرف صديقه، لكنه ضلّ الطريق. بيد أنّه لم يضل الطريق كثيراً، ومال إلى صديقه الآخر وصديق صديقه صالح (السلفية)، التي يعمل التحالف على دعمها في كل منطقة حرّرها من الحوثيين.
وقد وضعت أميركا، عادل عبده فارع، المكنى بأبي العباس، في قائمة الإرهاب، وهو سلفي ومحارب ضد الحوثيين منذ حروب صعدة تحت دعم صالح، وفي الحرب هذه دعمت الإمارات وبقوة السلفي فارع في تعز، لتكوين مليشيا خارجة عن إمرة الجيش الوطني في تعز، عقيدة وشكلاً.
تركت الإمارات مدينة تعز لمخالب الإرهاب الحوثي؛ لحسابات خاصة بها. في الجهة الغربية، سيطرت الإمارات على بحر المخا التابع لمدينة تعز في ظرف أسبوعين، فهي تسيطر على ما يخصها، ويعزز من قوتها الرأسمالية فقط، وبأصدقاء صالح السلفيين. وعندما حان الدور لتسيطر على مربعات مدينة تعز التي سبق أن حرّرتها المقاومة الشعبية من الحوثيين، وبعد فشلها بقطع الشطر الساحلي لتعز من المدينة، بطريقة ما، وكمحافظة جديدة بقرار من هادي، قرّرت، وهي تعمل منذ شهرين على فرض كتائب "عادل عبده فارع" المدرج في قائمة الإرهاب، وتمكينها على تعز، كما فعلت في عدن، والأخيرة متوقفة عن الحياة إلى حد البكاء. لكن السؤال الآن: هل تستطيع الإمارات هزيمة السياسة والحياة في تعز، كما فعلت في عدن؟
فرح اليمنيون بوثيقة الحوار الوطني في يناير/ كانون الثاني 2014، أو بعبارة أخرى: فرح اليمنيون بالمجتمع المدني الشكلي الذي يعد نتاج ثورة فبراير/ شباط، ويجدونه الخلاص.
خرجت القوى السياسية في تعز، في أغسطس/ آب الماضي، بوثيقة سياسية مؤقتة، من 12 صفحة، تقول بالخلاص المرحلي، وتعتبر نفسها جسراً يوصل فيما بعد إلى وثيقة الحوار الوطني. السعودية ومن معها وصالح والسلفيون، فرداى ومجتمعين، ضد وثيقة الحوار بشكل خفي، إذ هم أبعد ما يكونون من هذه الوثيقة. وفي نهاية المطاف، تحتاج السعودية إلى عشرين قرناً أو يزيد لتصل إلى المجتمع المدني التي تتحدث عنه وثيقة الحوار الوطني. وبما إنّ السعودية لا تريد الوثيقة؛ راحت تقدم لنا علاجها الخاص.
عندما خرجت السياسة بوثيقة الحوار الوطني، قال اليمنيون إنّ الحياة ستكون على الطريقة المثلى التي يريدونها، وعندما سيطر صالح والحوثي على صنعاء خريف 2014، قال اليمنيون إنّ الوثيقة أصبحت في خانة اللاوضوح. وعندما جاء التحالف، قال اليمنيون إنّ الوثيقة ستخرج للنور شيئاً فشيئاً. لكن، فجأة، ضل التحالف طريق الوثيقة بعد تحرير أكثر من 70% من الأراضي اليمنية من مليشيا الحوثي، كما يحدد النسبة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأصبحت أكثر من نصف المساحة بيد مليشيا أخرى. حينها قال من يؤمنون بالوثيقة من اليمنيين إنّ التحالف يقدم علاجاً هو الداء نفسه.
إذا كان لي من نصيحة يمكن تقديمها للقوى السياسية في تعز، فهي: إمّا المحافظة على السياسة والمجتمع المدني، أو ستجدون، في آخر المطاف، مليشيا ضارية أمامكم إن حصل كما في عدن. والإمارات تجتث حزب الإصلاح، وسقطت صنعاء بيد مليشيا، وهي تجتثه في الجنوب. سقطت عدن وما حولها من مدن بيد مليشيا، وإن تركتم الإمارات في تعز تفعل ما تشاء، ستصبحون، وكل تعز، بيد مليشيا جديدة كما تحاصركم الآن مليشيا.
بعيداً عن المشاريع الجاهزة، وحدها الندّية، بمفهومها الإيجابي، من تجعل السياسة تنتج صلاحاً.
CDC0B9C0-C07E-4F89-915C-702874099B46
CDC0B9C0-C07E-4F89-915C-702874099B46
العباس ناصر (اليمن)
العباس ناصر (اليمن)