25 اغسطس 2024
فيروز 2017
لا أستطيع أن أحكي عن فيروز بكثير من الحياد والموضوعية.. كتبتُ، ذات مرة، أننا نحن مواليد النصف الثاني من القرن العشرين محظوظون جداً، لأن فيروز رافقتنا في حياتنا، فتخيلوا لو أننا لم نصادفها، لا قَدَّرَ الله! وفي إحدى مقدمات كتابي المخطوط "السيرة الرحبانية الفيروزية" كتبتُ: فيروز، لي حصة فيها. ولأن لي حصة في فيروز، فالحياد عندي غير ممكن.
خطر لي أن أكتب عن ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان "ببالي". شيء يدعو إلى البهجة أن فيروزنا تعطي وتبدع وهي في سن الـ 82 سنة. وتذكّرتُ حديثاً تلفزيونياً للمطرب الراحل ملحم بركات في سنة 2009، تساءلَ فيه عن السبب الذي يجعل مغنيةً بحجم فيروز تتوقف عن الغناء، ولماذا لا تقدم بضع أغانٍ في السنة؟ وتذكّرت محمد عبد الوهاب الذي غنّى "من غير ليه" وهو في التسعين، عبد الوهاب الذي أعطى فيروزاً أجمل ألحانه منذ مطلع الستينات، وشَبَّهَ صوتها بخيوط الحرير وأشعة الفضة.
لم أتمكن من الحصول على ألبوم "ببالي"، لكنني عرفتُ أنه يتضمن عشر أغنيات، كانت فيروز قد طرحت ثلاثاً منها في بداية الصيف، وأن معظم الأغاني التي يتضمنها اقْتُبِسَتْ عن أغنياتٍ ذاعت عبر التاريخ الحديث، لمغنين وملحنين عالميين كبار أمثال جون لينون (الملقب برسول الحب والسلام)، وتينو روسي، وجليبرت بيركو، وجان كلود باسكال، وتولّى التوزيع الموسيقى لها البريطاني ستيف سيدويل. شاهدت يوتيوباً فيه مكساج مع الفرنسي غليبر بيركو تغني فيه فيروز: لمين تسهر النجمة؟ لمين؟ ليه تخلص العتمة؟ إلك؟ أو إلي؟ أو مش لشي، ولا أي شي. ثم يغني غليبر المقطع بالفرنسية، وهكذا.
الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي، وبضمنها الصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة، لم تُعْطِ هذا الألبومَ عشْرَ مِعْشار الاهتمام الذي كانت تعطيه لألبومات فيروز السابقة، وخصوصا الألبومات التي أُنْجزت بعد مرض عاصي (1982) ثم بعد رحيله (1986) بالتعاون بين فيروز وجوزيف حرب وفيلمون وهبي ومنصور الرحباني وزياد الرحباني ومحمد محسن.. يمكن تفسير هذا الأمر بعدة عوامل، أولها أن زياد الرحباني يعيش اليوم حالةً من العزلة والانكفاء، فلو كان هو الذي يقود العمل الجديد، لوجدتَه يوقف وسائلَ الإعلام اللبنانية والعربية على ساق واحدة، ويدير ماكينة الدعاية بأقصى حدود سرعتها.. وثانيها أن مجد السيدة فيروز ناجز ومكتمل منذ زمن طويل، ففي جعبتها، قبل هذا الألبوم، 98 ألبوماً بدأ إنجازُها اعتباراً من سنة 1952، حينما سجلت أولى أغانيها "راضية" في إذاعة دمشق، وانتهاء بألبوم "في أمل 2010" بإدارة زياد.. واكتمال المجد يعني أن عشاقَها ما كانوا ينتظرون منها جديداً على نحو مُلِحّ.. وثالثها أنها تغني الآن في غياب العباقرة الكبار الذين ساهموا في صناعة مجدها من الشعراء والملحنين. ولكن المهم بالنسبة لهذا الألبوم، برأيي، أن فيروز ما تزال تشاركنا الحياة، وما تزال تغني، وكأنها تترجمُ أغنيتَها القديمة "سوف أحيا" التي كتبها مرسي جميل عزيز، ولحنها عاصي ومنصور الرحباني، إلى حقيقة واقعة. وهناك جانب آخر يمكن أن نقرأه من الألبوم الجديد، هو أن فيروز تشارك المغنين العالميين المشاهير غناءهم، باعتبارها واحدةً منهم.. هذا أمر لا مراءَ فيه.
تَرْجَمَتْ كلمات أغاني الألبوم عن الفرنسية ريما الرحباني، وهي نفسها الطفلة (الحِنْدَقَّة) التي حَدَتْ لها فيروز في فيلم "بنت الحارس" (1968) بأغنية "يلا تنام ريما"، وهي التي قَدَّمَتْ، في أواخر التسعينات، أفلاماً وثائقية متميزة عن عاصي وفيروز والتجربة الرحبانية الكبيرة. تقول ريما في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط عن أغنية "لمين": اخترت هذه الأغنية بالذات في ذكرى رحيل والدي الـ 31، لأنها عبثية، وتطرح أسئلة كثيرة لا أجوبة لها. لا أدري لماذا لامستني كلماتُها إلى هذا الحد.
شكراً ريما. شكراً نجمتنا فيروز.
خطر لي أن أكتب عن ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان "ببالي". شيء يدعو إلى البهجة أن فيروزنا تعطي وتبدع وهي في سن الـ 82 سنة. وتذكّرتُ حديثاً تلفزيونياً للمطرب الراحل ملحم بركات في سنة 2009، تساءلَ فيه عن السبب الذي يجعل مغنيةً بحجم فيروز تتوقف عن الغناء، ولماذا لا تقدم بضع أغانٍ في السنة؟ وتذكّرت محمد عبد الوهاب الذي غنّى "من غير ليه" وهو في التسعين، عبد الوهاب الذي أعطى فيروزاً أجمل ألحانه منذ مطلع الستينات، وشَبَّهَ صوتها بخيوط الحرير وأشعة الفضة.
لم أتمكن من الحصول على ألبوم "ببالي"، لكنني عرفتُ أنه يتضمن عشر أغنيات، كانت فيروز قد طرحت ثلاثاً منها في بداية الصيف، وأن معظم الأغاني التي يتضمنها اقْتُبِسَتْ عن أغنياتٍ ذاعت عبر التاريخ الحديث، لمغنين وملحنين عالميين كبار أمثال جون لينون (الملقب برسول الحب والسلام)، وتينو روسي، وجليبرت بيركو، وجان كلود باسكال، وتولّى التوزيع الموسيقى لها البريطاني ستيف سيدويل. شاهدت يوتيوباً فيه مكساج مع الفرنسي غليبر بيركو تغني فيه فيروز: لمين تسهر النجمة؟ لمين؟ ليه تخلص العتمة؟ إلك؟ أو إلي؟ أو مش لشي، ولا أي شي. ثم يغني غليبر المقطع بالفرنسية، وهكذا.
الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي، وبضمنها الصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة، لم تُعْطِ هذا الألبومَ عشْرَ مِعْشار الاهتمام الذي كانت تعطيه لألبومات فيروز السابقة، وخصوصا الألبومات التي أُنْجزت بعد مرض عاصي (1982) ثم بعد رحيله (1986) بالتعاون بين فيروز وجوزيف حرب وفيلمون وهبي ومنصور الرحباني وزياد الرحباني ومحمد محسن.. يمكن تفسير هذا الأمر بعدة عوامل، أولها أن زياد الرحباني يعيش اليوم حالةً من العزلة والانكفاء، فلو كان هو الذي يقود العمل الجديد، لوجدتَه يوقف وسائلَ الإعلام اللبنانية والعربية على ساق واحدة، ويدير ماكينة الدعاية بأقصى حدود سرعتها.. وثانيها أن مجد السيدة فيروز ناجز ومكتمل منذ زمن طويل، ففي جعبتها، قبل هذا الألبوم، 98 ألبوماً بدأ إنجازُها اعتباراً من سنة 1952، حينما سجلت أولى أغانيها "راضية" في إذاعة دمشق، وانتهاء بألبوم "في أمل 2010" بإدارة زياد.. واكتمال المجد يعني أن عشاقَها ما كانوا ينتظرون منها جديداً على نحو مُلِحّ.. وثالثها أنها تغني الآن في غياب العباقرة الكبار الذين ساهموا في صناعة مجدها من الشعراء والملحنين. ولكن المهم بالنسبة لهذا الألبوم، برأيي، أن فيروز ما تزال تشاركنا الحياة، وما تزال تغني، وكأنها تترجمُ أغنيتَها القديمة "سوف أحيا" التي كتبها مرسي جميل عزيز، ولحنها عاصي ومنصور الرحباني، إلى حقيقة واقعة. وهناك جانب آخر يمكن أن نقرأه من الألبوم الجديد، هو أن فيروز تشارك المغنين العالميين المشاهير غناءهم، باعتبارها واحدةً منهم.. هذا أمر لا مراءَ فيه.
تَرْجَمَتْ كلمات أغاني الألبوم عن الفرنسية ريما الرحباني، وهي نفسها الطفلة (الحِنْدَقَّة) التي حَدَتْ لها فيروز في فيلم "بنت الحارس" (1968) بأغنية "يلا تنام ريما"، وهي التي قَدَّمَتْ، في أواخر التسعينات، أفلاماً وثائقية متميزة عن عاصي وفيروز والتجربة الرحبانية الكبيرة. تقول ريما في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط عن أغنية "لمين": اخترت هذه الأغنية بالذات في ذكرى رحيل والدي الـ 31، لأنها عبثية، وتطرح أسئلة كثيرة لا أجوبة لها. لا أدري لماذا لامستني كلماتُها إلى هذا الحد.
شكراً ريما. شكراً نجمتنا فيروز.