تونس.. حتى لا تخسر الحرب

25 أكتوبر 2017
+ الخط -
اختلفت تسميات الحكومات المتعاقبة في تونس منذ 2011، بينما اشتركت في شيء واحد، وهو الفشل بدرجات مختلفة في تحقيق انتظارات المواطن التونسي من ثورة الحرية والكرامة، حيث شهد المواطن التونسي تغيير حكومات بأكملها أو تحويرات وزارية جزئية. وفي كلتا الحالتين، السبب والدافع واحد، وهو عدم نجاح الحكومة في تحقيق أهداف حوكمتها الرشيدة المرجوة، على الرغم مما تقدمه كل الحكومات المتعاقبة من برامج وخطط وتصورات على مستوى منوال التنمية والاقتصاد والتشغيل والإستثمار، فلو نعود إلى السبب المباشر الذي دفع بضرورة التعديل الوزاري في حكومة الوحدة الوطنية، وهو النقص الذي شهدته حكومة يوسف الشاهد، بعد الإستقالات والإقالات على رأس بعض الوزارات، وهي المالية والتربية والإستثمار والتعاون الدولي، وهذا في حد ذاته فشل في التضامن الحكومي، وخلل في الوحدة الحكومية قبل الوحدة الوطنية. ولكن وقع تجاوز ذلك بالتعديل الوزاري الذي فرضته أخيرا الوضعية غير المريحة لحكومة الوحدة الوطنية التي أطلق عليها رئيسها، يوسف الشاهد، في جلسة منح الثقة شعارا أو عنوانا أو اسما جديدا، وهو حكومة حرب، لكي تكون حربا على الفساد والإرهاب، ومن أجل النمو وضد البطالة والتفاوت الجهوي.
في اعتقادي ولو نسترجع نوايا كل الحكومات السابقة، وبرامجها وخطاباتها، خصوصا ما بعد دستور 2014، فسنجد أنّ هذه الحكومات اشتركت في نواياها وبرامجها وأولوياتها وأهدافها تجاه الشعب التونسي الذي يشتكي، منذ فجر الثورة، من تفشي الفساد وتعطل التنمية وازياد البطالة والتفاوت الجهوي، وتداعيات التهريب والإرهاب على الإقتصاد الوطني، مثل غلاء المعيشة وازدياد حجم الضرائب والعجز التجاري. وفي جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، بعد التعديل الوزاري، قدّم رئيس الحكومة جملة من الإجراءات الواقعية لكي تكون حكومته حكومة حرب، وتتلخص هذ الإجراءات في نظرة واقعية متوسطة المدى من أجل حوكمة رشيدة عن طريق دفع الدبلوماسية الإقتصادية والشراكة بين القطاعين، العام والخاص، في كل المجالات، وخصوصا في المجال الفلاحي (استثمار أراضي الدولة غير المستغلة بشراكات مؤسساتية)، والإستثمار العمومي وإحداث قانون الطوارىء الإقتصادي، وهذا كله من أجل تحقيق الثروة ومجابهة التحديات المطروحة.
الجدير بالملاحظة أنّ كلّ الحكومات قدمت لنا التشخيص الخاص بالمشهد الوطني بمستوياته، الإقتصادية والإجتماعية والتنموي، وتقدم لنا أيضا النوايا والتصورات والإجراءات وبعد ذلك تتعطل التنمية، ويتعطل الإستثمار وتتعطل مشاريع القوانين التي ستدفع بالمنوال التنموي، ولا تتقدم الشراكة بين القطاعين، العام والخاص قيد أنملة، وتبقى أراضي الدولة غير مستغلة، ولا نسمع لا بدبلوماسية اقتصادية، ولا استثمار أجنبي، والدليل أنّ كل الحكومات انتهجت سياسة الهروب إلى الأمام عن طريق الحصول على القروض من المؤسسات المالية الدولية، وأهمها صندوق النقد الدولي.
وفي اعتقادي، لكي لا يتكرر المشهد نفسه، بالخلل نفسه، والأخطاء يجب أن تستمد حكومة الحرب الجديدة إرادتها السياسية من علوية القانون والعدالة والصلاحيات الدستورية، وهيبة الدولة والمصلحة الوطنية العليا. وفي المقابل، يجب أن لا ترتهن لإرادة الأحزاب التي تتغير بتغير المصالح والرهانات والتحديات، فالأسئلة التي حيّرت المواطن منذ مدة: أين هي الإرادة السياسية الواقعية في الشراكة بين القطاع العام والخاص وفي الإصلاحات الكبرى والطوارىء الاقتصادية والاستثمار العمومي والأجنبي ومقاومة الفساد والتهريب؟ وأين هو خلق الثروة والسياسة الإستثنائية للحد من التداين الأجنبي المجحف؟
حكومة الحرب تقتضي إجراءات حربية على كل معوقات تحقيق أهداف ثورة الشعب التونسي، ومن المفروض أن تنطلق حكومة يوسف الشاهد (حكومة حرب كما جاءت على لسانه) في العمل مباشرة على تطبيق إجراءاتها الحربية التي وقع تقديمها في الجلسة العامة لمنح الثقة لحكومته، بعد التعديل الوزاري، لكي تكون حكومة حرب فعلا من أجل الدولة العادلة التي توفر مقومات العيش الكريم لكل أبنائها، والتي تطبّق القانون على الجميع من دون استثناء وتمييز، والتي تخلق الثروة كما جاء على لسان رئيس الحكومة، ولكي لا تكون حكومة حرب خاسرة، يجب أن لا تكتفي بالنيات الحسنة، والتصورات الفضفاضة والبرامج النظرية وعمل اللجان الذي لا يرى النورإلى جانب تجاوز التجاذبات السياسية المقيتة.
0000D2C1-BE25-4E73-9B1B-795B7691BCC4
0000D2C1-BE25-4E73-9B1B-795B7691BCC4
قيس بن نصر (تونس)
قيس بن نصر (تونس)