11 نوفمبر 2024
التعليم في مصر تدهور مُستدام
بينما كان الطلاب المقبولون في المدارس اليابانية في مصر ينتظرون إعلان بدء الدراسة بين لحظة وأخرى، إذا بقرار مفاجئ من وزارة التعليم يقضي بتأجيل الدراسة إلى موعد غير محدّد، وإعادة الطلاب إلى مدارسهم الأصلية. ووفقاً لوزير التعليم، طارق شوقي، جاء القرار نتيجة عدم اكتمال التجهيزات المطلوبة في بعض المدارس، مؤكداً أن عبد الفتاح السيسي هو من حسم قرار التأجيل.
إن كان الوزير صادقاً، فهو يدين نفسه، إذ يعني ذلك أنه كان سيسمح ببدء الدراسة في تلك المدارس، قبل استكمال المنشآت والتجهيزات المطلوبة، لكن تسريبات من داخل البرلمان تنقل عن الوزير قوله إن السيسي قرّر التأجيل، بعد رفض اليابانيين طلبه مضاعفة رسوم الدراسة في تلك المدارس.
أياً كانت الخلفيات الحقيقية لقرار التأجيل، الشاهد فيه حالة التخبط والرعونة التي تتجاوز ملف المدارس اليابانية، وتميز مختلف جوانب العملية التعليمية في مصر.
وإنصافاً للوزير الحالي، يجب تذكّر أن مهمة وزير التعليم في مصر، منذ عقود، هي التجريب وإدخال التعديل ثم الرجوع عنه، من دون "سياسة" تعليمية أياً كانت. فلا توجه عاما واضح، ولا تصور متكامل للأهداف المبتغاة من التعليم. والفجوة الحاصلة بين التعليم وسوق العمل المصري في اتساع مستمر منذ السبعينيات، من دون أي جهد لسدها أو حتى تثبيتها. فهناك تركيز شديد على التوسع الأفقي، وزيادة أعداد المتعلمين كيفما اتفق. وتلفظ الجامعات سنوياً ما يزيد عن نصف مليون خريج في تخصصات نظرية ومكتبية، مثل القانون والآداب والتجارة، فرص العمل فيها نادرة. بينما الأعمال الفنية والمهن ذات المهارات اليدوية والوظائف النوعية، تفتقد العمالة المؤهلة لها.
ومن أبرز الدلائل على غياب السياسة وانعدام الرؤية في التعليم، تضارب القرارات بشأن شهادتي الثانوية العامة، والابتدائية. حيث تتأرجح القرارات الرسمية مثل البندول، بين إلغاء الصف السادس الابتدائي ثم إعادته. وتعديل شهادة الثانوية العامة لتصير عاماً، أو عامين، أو ثلاثة كما يعتزم الوزير الحالي. وفي كل مرة، يتم الرجوع عن القرار بعد فترة قصيرة، من دون تفسير أو تبرير، كأن أسباب التعديل انتفت فجأة أو لم تكن أصلاً.
منذ نحو أربعة عقود، لم يتول حقيبة التعليم في مصر تربوي، ولو مرة واحدة. فكل وزراء التعليم في مصر جاؤوا من تخصصات بعيدة عن التعليم أو التربية. كذلك لم يتول المهمة أبداً أحد الوكلاء في الوزارة أو أحد خبرائها المتخصصين في جوانب العملية التعليمية مثل المناهج أو تأهيل المعلمين أو حتى إدارة المنشآت التعليمية، على الرغم من أن أروقة الوزارة تكتظ بعشرات بل مئات، خبراء ومتخصصين على مستوى رفيع من التأهيل معرفة وممارسة.
لا أسرار خفية وراء تدهور التعليم المصري، فالأسباب واضحة لمن يريد أن يرى ويفهم. والتعليم الذي يبني الإنسان، ومن خلاله تنهض المجتمعات، لا يراد لمصر أن تعرفه. وربما هي مصادفة ألا يأتي أبداً وزير تعليم من قلب العمل التعليمي والتربوي.
وربما أيضاً مصادفة، أن كل وزير يبدّل ويغير في محتوى التعليم ومراحله، كما لو كان يغير ديكور مكتبه. وربما هي مصادفة ثالثة، أن لا وزير واحدا منذ عقود سعى إلى تحديث (وتطوير) التعليم الفني الذي يفتقده بحق سوق العمل. وهي بالطبع مصادفة أخرى، ألا يبحث أحد عن توجيه التنسيق الجامعي نحو التخصصات النادرة والمطلوبة للتنمية الشاملة، أو التحديث الصناعي أو الاستصلاح والزراعة والمجالات التقنية وريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة وتنمية الأفكار وقيادة المجتمعات المحلية والعمل التنفيذي. وأخيراً، يتصادف أن تشهد مصر، على مدى عقدين، سهولة وسلاسة في إنشاء جامعات خاصة، تتشابه اهتماماتها وتتوازى في تكرار التعليم الحكومي النظري والمكتبي، من دون ضبط من الدولة أو تدخل للتوجيه نحو التخصصات المطلوبة.
لا مجال هنا للتحجّج بذريعة المؤامرة الخارجية، فما يفعله المصريون في أنفسهم يعفي أي متآمر خارجي من جهد التخريب والتدمير. وبعد عقود من استنساخ السياسات نفسها، وإصدار القرارات نفسها، ثم إلغائها، صارت مصر تجيد وبامتياز، التخريب المستدام، للتعليم.. ولغيره.
إن كان الوزير صادقاً، فهو يدين نفسه، إذ يعني ذلك أنه كان سيسمح ببدء الدراسة في تلك المدارس، قبل استكمال المنشآت والتجهيزات المطلوبة، لكن تسريبات من داخل البرلمان تنقل عن الوزير قوله إن السيسي قرّر التأجيل، بعد رفض اليابانيين طلبه مضاعفة رسوم الدراسة في تلك المدارس.
أياً كانت الخلفيات الحقيقية لقرار التأجيل، الشاهد فيه حالة التخبط والرعونة التي تتجاوز ملف المدارس اليابانية، وتميز مختلف جوانب العملية التعليمية في مصر.
وإنصافاً للوزير الحالي، يجب تذكّر أن مهمة وزير التعليم في مصر، منذ عقود، هي التجريب وإدخال التعديل ثم الرجوع عنه، من دون "سياسة" تعليمية أياً كانت. فلا توجه عاما واضح، ولا تصور متكامل للأهداف المبتغاة من التعليم. والفجوة الحاصلة بين التعليم وسوق العمل المصري في اتساع مستمر منذ السبعينيات، من دون أي جهد لسدها أو حتى تثبيتها. فهناك تركيز شديد على التوسع الأفقي، وزيادة أعداد المتعلمين كيفما اتفق. وتلفظ الجامعات سنوياً ما يزيد عن نصف مليون خريج في تخصصات نظرية ومكتبية، مثل القانون والآداب والتجارة، فرص العمل فيها نادرة. بينما الأعمال الفنية والمهن ذات المهارات اليدوية والوظائف النوعية، تفتقد العمالة المؤهلة لها.
ومن أبرز الدلائل على غياب السياسة وانعدام الرؤية في التعليم، تضارب القرارات بشأن شهادتي الثانوية العامة، والابتدائية. حيث تتأرجح القرارات الرسمية مثل البندول، بين إلغاء الصف السادس الابتدائي ثم إعادته. وتعديل شهادة الثانوية العامة لتصير عاماً، أو عامين، أو ثلاثة كما يعتزم الوزير الحالي. وفي كل مرة، يتم الرجوع عن القرار بعد فترة قصيرة، من دون تفسير أو تبرير، كأن أسباب التعديل انتفت فجأة أو لم تكن أصلاً.
منذ نحو أربعة عقود، لم يتول حقيبة التعليم في مصر تربوي، ولو مرة واحدة. فكل وزراء التعليم في مصر جاؤوا من تخصصات بعيدة عن التعليم أو التربية. كذلك لم يتول المهمة أبداً أحد الوكلاء في الوزارة أو أحد خبرائها المتخصصين في جوانب العملية التعليمية مثل المناهج أو تأهيل المعلمين أو حتى إدارة المنشآت التعليمية، على الرغم من أن أروقة الوزارة تكتظ بعشرات بل مئات، خبراء ومتخصصين على مستوى رفيع من التأهيل معرفة وممارسة.
لا أسرار خفية وراء تدهور التعليم المصري، فالأسباب واضحة لمن يريد أن يرى ويفهم. والتعليم الذي يبني الإنسان، ومن خلاله تنهض المجتمعات، لا يراد لمصر أن تعرفه. وربما هي مصادفة ألا يأتي أبداً وزير تعليم من قلب العمل التعليمي والتربوي.
وربما أيضاً مصادفة، أن كل وزير يبدّل ويغير في محتوى التعليم ومراحله، كما لو كان يغير ديكور مكتبه. وربما هي مصادفة ثالثة، أن لا وزير واحدا منذ عقود سعى إلى تحديث (وتطوير) التعليم الفني الذي يفتقده بحق سوق العمل. وهي بالطبع مصادفة أخرى، ألا يبحث أحد عن توجيه التنسيق الجامعي نحو التخصصات النادرة والمطلوبة للتنمية الشاملة، أو التحديث الصناعي أو الاستصلاح والزراعة والمجالات التقنية وريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة وتنمية الأفكار وقيادة المجتمعات المحلية والعمل التنفيذي. وأخيراً، يتصادف أن تشهد مصر، على مدى عقدين، سهولة وسلاسة في إنشاء جامعات خاصة، تتشابه اهتماماتها وتتوازى في تكرار التعليم الحكومي النظري والمكتبي، من دون ضبط من الدولة أو تدخل للتوجيه نحو التخصصات المطلوبة.
لا مجال هنا للتحجّج بذريعة المؤامرة الخارجية، فما يفعله المصريون في أنفسهم يعفي أي متآمر خارجي من جهد التخريب والتدمير. وبعد عقود من استنساخ السياسات نفسها، وإصدار القرارات نفسها، ثم إلغائها، صارت مصر تجيد وبامتياز، التخريب المستدام، للتعليم.. ولغيره.