ألفريد ستيبان الذي رحل

13 أكتوبر 2017

ألفريد ستيبان.. "التسامح المزدوج" مكان العلمانية

+ الخط -
رحل عنا، في 26 من سبتمبر/ أيلول الماضي، عالم السياسة الأميركي ألفريد ستيبان عن عمر يناهز 81 عاماً، قضى معظمها أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة كولومبيا في ولاية نيويورك. ولا يكاد يوجد طالب أو باحث علوم سياسية يدرس حقل السياسة المقارنة والتحول الديمقراطي لم يمر على بعض من كتابات ستيبان الغزيرة والمثيرة للتفكير في هذين المجالين، فهو من بين أوائل الباحثين الذين أسهموا، في دراساتهم النقدية، في تحسين نظريات الانتقال الديمقراطي، مستفيداً من دراساته لمناطق جغرافية متنوعة ما بين أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وشرق أوروبا.
بيد أن الإسهام الأكبر لألفريد ستيبان يتعلق بكتاباته عن العلاقة بين العلمانية والدين والديمقراطية. وهو صاحب النظرية الشهيرة "التسامح المزدوج"، والتي نشرها في مقالة شهيرة له في مجلة الديمقراطية عام 2000، وأثارت ضجة كبيرة وقتها. وهي النظرية التي حاولت فض الإشكال التاريخي بين الدين والديمقراطية. حيث تقوم النظرية على افتراضٍ بسيط، لكنه مهم، وهو أنه لا يوجد "دين" سلطوي بالفطرة أو دين يشجع على السلطوية، سواء في الإسلام أو الكونفوشية أو المسيحية الأرثوذكسية. وانطلاقاً من ذلك، هو يدعو إلى نوع من "الاحترام أو التسامح المتبادل" بين الدولة والدين، وذلك من خلال الأولى باحترام حق المجتمع والأفراد في اقتناع ما يشاءون من معتقدات، مقابل احترام الدين حق الدولة في تنظيم الشؤون العامة وأمور الحياة الخاصة بالمواطنين والمجتمع. أي أنه كان يدعو إلى نوع من التعايش بين الدولة والدين، وليس الفصل الجاف والحاد الذي كانت تطرحه نظريات العلمانية المتشددة.
ويرى ستيبان أن مصطلح "التسامح المزدوج" يمكن أن يحل محل مفهوم العلمانية الذي لا يلقى قبولاً في بعض المجتمعات والثقافات. وهي محاولة ذكية منه لرفع الدلالات السلبية المصاحبة لمفهوم العلمانية، خصوصاً في المجتمعات التي يبدو للدين دور مهم في ثقافتها وهويتها وحياة أفرادها اليومية، كما هي الحال في الشرق الأوسط. لذا لم يكن مفاجئاً أن ينادي ستيبان بتطبيق نظريته عن التسامح المزدوج على الحالة التونسية بعد ثورة الياسمين. وقد لاحظ أن ثمة اتفاقا بين النخب التونسية العلمانية والإسلامية حول هذه المسألة، خصوصا في مرحلة ما قبل الثورة. وقد لاقت مقالته رواجاً كبيراً حين تم نشرها عام 2012 في مجلة الديمقراطية.
ربما تبدو فكرة "التسامح المزدوج" جديدة ومغرية، وخصوصا أنه تم تطبيقها على حالات عديدة، حسبما يزعم ستيبان، بيد أن ثمة مشكلتين في هذه النظرية. تتعلق الأولي بسياق تطبيق النظرية. فالنظرية قد تبدو صالحة نوعاً ما في الحالة الغربية التي تتمتع بديمقراطياتٍ راسخةٍ، لدى بعضها قبول بالدين، في حين أننا نتحدث عن تجارب عربية تتسم بالسلطوية الشديدة، سواء من التيارات المدنية أو الدينية على السواء. وهو ما يعني أن من الصعب التوصل إلى توافق بين هذه النخب حول القبول ببعضهما بعضا. خذ مثلا الحالة المصرية، وهي دالة في هذا الصدد، فمصر منذ نشأتها الحديثة، وهي تعيش صراعا سياسيا يكاد يكون صفريا بين النخب الدينية والمدنية. ومنذ عام 1954 لم يكن هناك "تسامح" بين الطرفين. بل على العكس كان هناك استخدام سلبي لورقة الدين في الصراع السياسي، كما الحال في أكثر من بلد عربي.
لذا، من الصعب أن يتم تبني نظرية ستيبان وإنزالها على الحالة العربية بدون مساءلة افتراضاتها النظرية، وفهم الخبرة الخاصة لكل بلد عربي، وكيف تدار العلاقة بين المجالين الديني والمدني. وعلى الرغم من ذلك، تظل كتابات ستيبان وإسهاماته النظرية علامة مهمة في مجال العلوم السياسية، وخصوصا حقل التحول الديمقراطي.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".