التعليم الجامعي والنهوض بالمجتمع

26 يناير 2017
+ الخط -
تؤطر القوانين الجميع، وتنفذها المؤسسات التربويّة تماشياً مع توجّه الدولة سياسياً أو إيديولوجياً.
ذكري للمؤسسات التربوية يأتي لضرورة تربية الأبناء منذ التنشئة الأولى على حبّ الكتاب وتحصيل الثقافة بتنوّع مجالاتها. لهذا أرى وجوب هيكلة مؤسساتنا، وبالخصوص الجامعة التي تمثّل صرحاَ علمياَ كبيراَ ودرجة عليا ذات مكانة في قلوب الناس باختلافهم.
تكمن عظمة الجامعةفي منهجية البحث والمجهود الفردي النابع من الإرادة ومحبّة العلم في الإنسان، إذ يمكن القول إنّها تفتح أبواب تغلقها المراحل الدراسية التي قبلها. لهذا تحظى بمكانة كبيرة وراقية في العقل والوجدان، ولهذا يجب الحرص بصفة دائمة على ترسيخ ثقافة الاطلاع على مجالاتٍ كثيرة، وعدم الاستهانة بالنهج الموسوعي في العلم، خصوصاً أنّه يجب الابتعاد عن العوائق التي يضعها الفرد لنفسه، أو يضعها الآخرون بحد سواء مثل؛ التفكير المفرط في العمل وربط الأخير بالدراسة الجامعية، وإعطاء أهمية كبرى للنظرة السلبيّة للآخريــن... يجدر بنا القول إنّ الإنسان مرآة نفسه، ولا يحقّ لأحد أن يعرفه أكثر ممّا يعرف ذاته، وكلّ يعرف موطن قوّته وموطن ضعفه.
يجدر القول إنّ التعليم الجامعي يمثّل نقلة نوعيّــة في الحياة الفكريّة للإنسان، حيث يفتح لنا، نحن المتعلّمين، باب التنوّع الثقافي والفكري.
أيضا، وجب التنبيه إلى ضرورة الحفاظ على موروثنا الحضاري وهيكلته، حتّى يخدم واقعنا المعاصر، فللإطار الجغرافي والتاريخي دور مهمّ في البحوث العلميّة، وتجسيد الإبداع في الواقع اليوميّ، حتّى يساهم في تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب العربيّة.
أنبّه كطالب ما زلت في مدرّجات الجامعــة، أنّ صندوق النّقد الدولي يلعب دوراً مهمّاً عند إسناد القروض لدول العالم الثالث عموماً، من ناحيـة التدخّل غير المبرّر وغير المنطقي، في تجربة مناهج جديدة وطرق تعليميّة قد لا تتناسب مع واقعنا والإطار الذي نعيش فيــه.
على الرغم من أنّي أعيش في أوروبا، إلاّ أنّه لا يعني التمجيد المطلق لما يقومون به من دعم مؤسسة الجامعة والطالب، بل فقط أوافق رأيهم القائم على فتح باب التوسّع لدى الأساتذة في طرح الدروس والاعتماد على البحث الواسع، لا الضيّق.
يجب أن يعود التعليم إلى مجراه الطبيعي المتمثّل في التحصيل العلمي وسيادة معيار الكفاءة لا بأهميّة الشهادة، التي مع الأسف تسبّبت ما تسمّى الجامعات الخاصّة، أو ما يمكن أن نطلق عليه الربحيّة، في وضع مكانتها أسفل السافلين. كلّ هذا يدخل في إطار العالم المادي الذي طغى على القيم. لكن، لا يجب أن يجعلنا هذا كأمّة عربيّة نتبع التقليد الأعمى حتّى في الفشل، بل وجب أن نقوم بإرساء مبدأ التجربــة والمبادرة الفرديّة.
يمكن أن ألخّص هذا بالقول بضرورة عودة الذات إلى ذاتها بدراسة النقائص والعوائق وعوامل النهوض، حتّى نستطيع حينئذ إعطاء الدروس في المبادرة الفرديّة والتحصيل العلمي كما عرفناه في أوجه العصر العبّاسي.
ليس الوضع كارثياً، كما يبالغ بعضهم في تصويره في العالم العربي من جهة، وليس مثاليّا بإطلاق في العالم الغربي من جهة أخرى، إلا أنّه يجب أن نؤسس نظاماً تعليميّاً عصريّا ينطلق من ذواتنا بكلّ ما تحمله الكلمة من مبادئ وبيئة وثقافة، لأنّ الواقع يؤكّد أنّ استقدام قوالب جاهزة عمّق الأزمة أكثر، ولم يساهم في النهوض بالصورة المطلوبة التي تليق بأمّتنا الكبيرة.
382A6BE0-9BA9-43EB-9765-8EAB58F16F8A
382A6BE0-9BA9-43EB-9765-8EAB58F16F8A
محمّد جابالله (تونس)
محمّد جابالله (تونس)