هزيمة إيرانية ومصالح روسية

15 يناير 2017
+ الخط -
بينما ينشغل المحللون ووسائل الإعلام العربي بالتحالف التركي الروسي واجتماع "أستانة" المزمع عقده، والذي سيضم وفداً من فصائل المعارضة السورية، تستمر انتهاكات إيران الهدنة الهزيلة في مناطق كثيرة في سورية، وهي الهدنة التي صاغتها أنقرة وموسكو وكانتا الضامنتان لها.
إلا أنه بعد كل اتفاق يفضي لإيقاف إطلاق النار في سورية، تشهد الساحة السورية حرباً أقوى وخروقاً من النظام وإيران أشدّ من السابق أي ما قبل توقيع الهدن، فلماذا تؤول الأوضاع إلى الأسوأ بعد كل هدنة؟
هنا، يمكن القول إنّه جرّاء وجود أطرافٍ عديدة لا تتفق مع الأطراف الأخرى، والتي تسعى إلى إفشال المخططات السلمية تحاول جاهدة للقضاء على أيّ حل سياسي في سورية. وهنا، نستطيع أن نقول إنّه في الهدنة التي وافقت عليها تركيا وروسيا نجد أنّ إيران كانت خارجه، أو لم يؤخذ برأيها، فكانت أحد الأسباب المباشرة لتكثيف خروقها والضغط أكثر لتوسيع دائرة سيطرتها على مناطق ذات أهمية، بغية تحقيق مصالحها الشخصية.
كانت وجهة إيران وادي بردى ذا الأهمية الإستراتيجية، كونه يضم نبع الفيجة الذي يغذي العاصمة دمشق بالمياه، إضافة إلى موقعه الجغرافي الذي يصل القلمون الغربي بالجنوب اللبناني والساحل السوري.
وضع مأساوي وصل إليه مدنيو وادي بردى، مع انقطاع التيار الكهربائي، فالمياه والغذاء والدواء والهواء أصبحت ملوثة بفعل القصف بغاز الكلور. ومع ذلك، غضّت روسيا الطرف، مع استمراريتها في القول من دون الفعل، ولم يكن مفاجئاً خروج بشار الأسد من وكره، ليطل في مقابلةٍ مع صحفية مع جريدة إيطالية، ويظهر نفسه في موقف البريء الذي يقاتل الإرهاب والإرهابيين، مع تصريحاته إنه مستعد للتفاوض، بالإضافة إلى إعلانه عن المصالحة المزيفة التي عرضها على ثوار وادي بردى، والتي لم تكن سوى لعبة ماكرة منه، ليكسب مزيداً من الشرعية للاستمرار بالقتل والتدمير للسيطرة على منبع المياه الرئيسي للعاصمة، وتهجير سكان الوادي لتحويل المنطقة إلى ممر إيراني لحزب الله اللبناني.
باتت إيران تدرك أنّه لا مستقبل لها في سورية أمام المصالح الروسية، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي منيت بها، من خلال تصريحات خامنئي لدى استقباله عوائل سبعة قتلى من منسوبي القوات الخاصة، ممن قُتلوا في سورية، حيث قال: "لو لم نردع الأشرار ودعاة الفتنة من عملاء أميركا والصهيونية في سورية، لكنا نصارعهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان".
بدأت روسيا، منذ أواخر العام الماضي، تلميع صورتها أمام العالم بأنّها "عرّاب السلام"، وبأنّها تسعى إلى إيجاد حلّ للوضع السوري الذي وصل إلى عنان السماء، إلا أنّ كلّ ما قدّمته ما زال حبراً على ورق، فمع أنّها كانت الضامنة للهدنة في سورية إلا أنّها لم توقف نظام الأسد وحليفته إيران عن خرقها منذ الساعات الأولى لبدئها.
ما حدث أنه كان متوّقعاً أن تقف روسيا موقفاً حازماً في التاسع من الشهر الجاري خلال الاجتماع مع تركيا في أنقرة، إلا أنّ كل ما جرى لم يخرج من إطار الكلام الذي لا يقدّم ولا يؤخر على الساحة السورية التي امتلأت بالدماء أكثر من أي وقت مضى، في ظل هدنة معلنة للملأ إلا للشعب السوري الذي يقتل بحجتها في كل ثانية ودقيقة تمر عليه.
التغير الكبير في الموقف الروسي تجاه الملف السوري ما هو إلا لفهمها أنّ تركيا ستكون ذات فائدة أكبر من إيران تجاه مصالحها في قضية جورجيا والقرم وأوكرانيا، وبأنّ الأتراك لاعبون مؤثرون، كونهم ثاني أكبر قوة في حلف الناتو، كما أنّ روسيا تسعى إلى عدم تقسيم سورية، وذلك ليس حبّا في وحدة الأراضي السورية. ولكن، لتتمكن من تعويض ما خسرته في دفاعها عن النظام.
أما إيران فإنها لا تكترث لوحدة الأراضي السورية بقدر ما يهمها مشروعها الطائفي بإكمال هلالها الشيعي، وتشكيل دويلة علوية تحكمها، وتكون الوصية على ولادتها. لذلك، كان لا بد من السيطرة على وادي بردى ذي الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لضمان ممرّ أمن يصل الساحل السوري بالجنوب اللبناني.
وبالنسبة للتدخل الروسي في سورية، منذ البداية لم يكن فقط لحفظ قواعدها البحرية في سورية، وإنما الحرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كان أحد العوامل الرئيسية للتدخل الروسي في سورية، والأحداث التي كانت بين الحلف وروسيا منذ عام 2008 مستمرة، ما تسبّب في أن تسعى روسيا إلى أن لا تسمح له بالإقتراب من حدودها. ولهذا، كان القلق الروسي الكبير منذ بداية الحرب الباردة.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل ستنجح المبادرة الروسية التركية في سورية وسيعقد مؤتمر أستانة؟ وما مصير إيران إن نجحت المبادرة؟
1998067C-94BE-48BF-9CDD-353535E7731D
1998067C-94BE-48BF-9CDD-353535E7731D
أحمد سلوم (سورية)
أحمد سلوم (سورية)