روسيا التي تخادعنا

19 اغسطس 2016
+ الخط -
لست من دعاة مقاطعة روسيا اليوم، وإخراجها من سورية غداً. لكنني أعتقد، في الوقت نفسه، أن روسيا تمارس سياسات معادية، إلى آخر مدى، للشعب السوري، وأنها لا تراعي، بأي شكل، ما ثار من أجله، فهي، وعلى عكس ما تكرّره دوماً، شديدة الإعجاب بالأسد، وتعتقد أن مصالحها تتطلب تبني مواقف عملية، لا تعترف بإرادة السوريين في اختيار حكامهم بحرية، وترفض اعتبارهم مصدر السيادة، وبالتالي السلطة، الذي يجب أن تحترم القوانين والسياسات الدولية رغباته.
ليس في جداول الأعمال الروسية مكان للشعب السوري، على الرغم من أنه لا مكان لغيره في تصريحات الوزير لافروف ونائبه بوغدانوف. هذه المفارقة لا تؤرق الكرملين، إذ بينما يتباهى العسكريون في وزارة الدفاع بإنجازات طائراتهم ضد المدنيين، الموصوفين دوماً بالإرهابيين، على الرغم مما تتناقله وسائل إعلام دولية بالصوت والصورة حول هوية الضحايا، يعلن ساسة وزارة الخارجية، بكل براءة، أن جيشهم يقنع شعب سورية بالتعبير عن إرادته بكل حرية، على أن يضع نصب عينيه خياراً وحيداً هو العودة إلى أحضان بشار الأسد، وإلا فإن صبيب النار الذي يتعرّض له لن يتوقف عن "إقناع" من بقوا أحياء منه بقبول هذا الخيار الذي ترى روسيا فيه، بالنيابة عنهم، التعبير عن إرادتهم، وتقاتل لفرضه عليهم بعصا القنابل وجزرة الدبلوماسية. سأفترض، الآن، أن الشعب السوري انصاع لقنابل الطائرات الروسية وصواريخها التي يقول الخبراء الروس أنفسهم إنه لم يسبق لأية حرب أن شهدت مثيلاً لفتكها، وأن مبتكري السلاح في الجيش الروسي يعملون لاختراع قنابل وصواريخ من أنواعٍ أشد فتكاً من كل ما هو متوفر منها، ليعالجوا بواسطتها عناد السوريين وتمسكهم بحريتهم. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟.
عندما يطالب أحد ما روسيا بضماناتٍ تكفل حدوث انتقال سياسي ما في وطنهم، مقابل التخلي عن الثورة، يرفض ساستها الالتزام بشيء، بحجة أنهم لا يمنون على الأسد، وأن إيران هي التي تمتك القرار السوري، والقدرات اللازمة للحفاظ على سلطته، فإن سئلوا: لماذا تشاركون في حربٍ لستم من يحدّد نتائجها، قالوا إنهم يحولون، بحربهم السورية، دون ذهاب الإرهاب إلى بلادهم ، فإن قيل إن أغلبية من تقتلونهم ليسوا من الإرهابيين، بل هم مدنيون معادون للمجرم الذي تقولون إن أمره لا يعنيكم، أجابوك: أنت مخطئ، تدخلنا لا يؤثر في علاقات السوريين ببعضهم، ولا يحدث أي تحول في موازين القوى لصالح أي طرف منهم.
هذه الأكاذيب تغطي تدمير سورية اليومي الذي لا يعرف أحد كيف يوقفه، بسبب ما تعتمده موسكو من سياساتٍ تجاه المسألة السورية، تترجم جهدها العسكري الذي يعطل الحل، بما يعتمده من رهاناتٍ دولية وإقليمية، لا علاقة لها بالثورة السورية، لكن تحقيقها يمر عبر بحارٍ من دماء السوريين الذين يسقطون بقنابل عسكرها الذي يتفنن في قتل السوريين، وساستها الذين يستخدمون قوة جيشها النارية لسحق شعبٍ لا يتركون له أي خيار غير الموت تحت ركام مدنه وقراه، أو الاستسلام لقاتله المحترف، غاصب القصر الجمهوري في دمشق. مع ذلك، لا حديث للروس إلا عن عزمهم على البقاء خارج التجاذبات السورية، والعزوف عن تقييد حق السوريين في اختيار ما يريدونه، والبقاء على الحياد بين أطرافهم المتقاتلة.
في هذه الأثناء، يعرف الروس أن سياساتهم ليس هدفها حل المسألة السورية، وأن من تدفنهم طائراتهم تحت ركام منازلهم مدنيون، وليسوا إرهابيين. ويعرف السوريون أن موسكو تجنح، بالأحرى، إلى إبادتهم أكثر مما تسعى إلى رفع القتل عنهم، ويعرفون أيضاً أن الحرب لا تتوقف، إلا حين يقرّر المعتدي وقف عدوانه، ويثق المعتدى عليه بصدق نياته، وهذان أمران سيمر وقت طويل، قبل أن يتوفرا في سلوك روسيا الحربي، ومواقف السوريين منه.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.