أردوغان رجل سياسة

18 اغسطس 2016
+ الخط -
نحب فنمجد، ونكره فنسخط، تلك شريعة الهوى، وما أضلّها من شريعة!
كم كان عصياً على كثيرين منا رؤية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو يصافح الرئيس الرئيس الروسي، بوريس بوتين، مصافحة الأحبّة، وأن يسميه "الصديق" ثلاث مرّات متتاليات، في غضون دقائق معدودات، ليس لأنّ عدو الأمس لا يجوز له أن ينقلب صديقًا بين ليلة وضحاها...أبداً! بل لأنّ تلك المصافحة وهذه المحبة جاءتا متزامنتين مع وقت قصف الطائرات الروسية مدينة حلب الشهباء، وفي الوقت الذي تلقي فيه طائراتها القنابل الفسفورية والعنقودية وغيرها على رؤوس أطفالها ونسائها وشيوخها، لتردي المئات، بل الآلاف من الشعب السوري، بين قتيل أو جريح أو تحوّله أشلاء مترامية هنا وهناك.
في هذا الوقت العصيب، يضع أردوغان يده في يد الأشقر بوتين، مستبشراً به، ومعلناً قيام علاقات ثنائية متينة وقوية بين الطرفين، بل ومتعهداً بأن تكون الطائرات التركية مع الروسية الحليفة مستقبلاً في سماء سورية، بينما كان في الأمس، يندّد ويشجب التدخل الروسي في سورية ويحاربها، ويدعوها إلى الانحياز الى الشعب السوري المشرّد، لا إلى القيادة السورية فاقدة الشرعية.
لم ينتظر الرئيس التركي حتى ينتهي من زيارة روسيا، فطلب من فريقه التعجيل في إجراءات التطبيع مع إسرائيل في أثناء وجوده هناك.
"الحبل لا يزال على الجرّار"، فالممكنات وحدود التغيير في السياسة التركية الخارجية لا تزال في بدايتها، إنّها تسير سريعاً حتى تطال ملفات خارجية كثيرة أخرى، قد يكون بعضها غير متوقّع أبداً، فهل يحتمل أن نشهد في الأشهر المقبلة مصالحة "أردوغانية سيسية"؟ ولم لا؟ ولم الاستهجان؟ فإن كان بوتين قد تحوّل من عدو إلى صديق حميم بين ليلة وضحاها، وإذا تحوّل روفين ريفلين من قاتل أطفال إلى حليف مرحب به، فليس غريباً أن يتحوّل عبد الفتاح السيسي من "انقلابي" إلى "زعيم شرعي" وصديق بين ليلة وضحاها، فقد عوّدنا أردوغان، طوال مسيرته السياسية، بأنه "رجل خير"، وفقا للمقولة المعروفة "الخير بقول وبغير"، وما أكثر أقواله التي تتغيّر مع تغيّر مصالحه.
لا تمجدوا أردوغان، فهو رجل سياسة، ورجال السياسة لا يستحقون التمجيد أبداً. أزيحوا عنه تلك الهالة والقدسية التي ألبستموه إياها، فما هو إلا كغيره "يزيد وينقص". ولكن، لا يصل إلى منزلة العليين، فأردوغان ليس "زعيم العرب والمسلمين"، كما تسبغوا عليه أو تحبوا أن تسبغوا عليه؛ بل هو زعيم تركيا فقط، وهو ليس حامي حمى الإسلام والمسلمين كما تظنون، أو يروق لكم أن تظنّوا؛ إنّه حامي حمى تركيا فقط، وهو ليس أبو اليتامى، ولا كفيل الأرامل كما تتوهموا أو تطيب أنفسكم بأن تتوهموا؛ هو أب للشعب التركي فقط، ذلك لأنّه عندما اختلطت أوراقه عليه؛ اختار بلا تردّد الصالح التركي، تاركاً وراءه "الأيتام" و"الأرامل" و"القتلى" و"المهجرين" يتولاهم الله، ولم يختر لا صالح الأمة الاسلامية، ولا العربية.
A71C9952-EAE1-469D-9457-98146410FF09
A71C9952-EAE1-469D-9457-98146410FF09
سامية أنور دنون (فلسطين)
سامية أنور دنون (فلسطين)