غرب البدر علينا

03 مايو 2016
+ الخط -
من بيعة العقبة إلى بيعة كندا، تغير كل شيء، باستثناء نشيد "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع"، ثم تلت الأخيرة بيعاتٍ أخرى، كبيعة برلين وبيعة باريس وبيعة بروكسل. ولن يطول الزمن كثيراً، حتى تحرث بيعات الهجرة الإسلامية سائر العواصم الغربية، فراراً بالدين من "الدين"، وبالإسلام من "الإسلام".
في بيعتي "العقبة الأولى"، و"العقبة الثانية"، حالف المسلمون أهل المدينة المنورة، للنجاة بدينهم من بطش قريش، وفي بيعات باريس وبرلين، حالف المسلمون "الكفار"، للنجاة بجلودهم من بطش "مسلمين" جدد، حوّلوا الإسلام إلى قطع رؤوس، وبتر أعضاء، وحرقٍ بالنار، وإعدامات على الشبهة.
حدث، فعلاً، أن استقبلت كندا "حصتها" من اللاجئين السوريين بنشيد "طلع البدر"، قبل أشهر، تكريماً لهم، ولإشعارهم أن في وسعهم على تلك الأرض أن يمارسوا معتقدهم بحرية، بعد أن ضاقت بلادهم على جلودهم نفسها، وليس على حرياتهم ومعتقداتهم فحسب. وأكاد أراهن أن الزمن لن يطول كثيراً، حتى يصبح العرب جميعاً مجرد "حصص" موزعة على جهات العالم الأربع، هرباً من بلادٍ ضاقت بأهلها، وأنظمة "قريشية"، تبيح الشرك بالله، وتجرّم الشرك بالزعيم، وتقبل الصلاة إذا كان الركوع والسجود فيها للزعيم وحده، وتجيز الحج، إذا كان على أبواب القصور للهتاف بحياة الزعيم، وتبيح الزكاة، إذا جاءت على هيئة ضرائب تصبّ، آخر المطاف، في أرصدة الزعيم، وتهلل للصوم، إذا كان مدعاةً لتوفير مبالغ إضافية، تزيد من رفاهية الزعيم.
على أن ثمة فرقاً آخر في البيعات الجديدة، هي أن المستقبِل للمهاجرين، هو من يفرض شروطه هذه المرة، وليس المهاجر، وها هي مراكز البيعات الغربية، بدأت تنتشر في العواصم العربية، ومنها مركز أميركي في العاصمة الأردنية، لتأهيل الحصة الأميركية من اللاجئين السوريين، قبل هجرتهم إلى الولايات المتحدة. وهناك يتم تدريبهم على أبجديات حريةٍ لم يألفوها في بلادهم، فيقال لهم إن الولاء الأول هو للوطن، وليس لزعيم أو طاغية، وبأن حقهم في الكرامة يسبق حاجتهم للخبز والكساء، وهناك يحاولون تدريبهم على اجتياز "صدمة الحرية" بأقل الخسائر النفسية التي ستعتريهم، حال ملامستهم أرضاً تتنفس الشمس، وليس دبق المعتقلات.
وهناك، تحت نخلةٍ حزينة، يتم التوقيع على معاهدة "البيعة" الجديدة، وقوامها أن يضمن الغرب "الكافر" للمسلم المهاجر حرمة دمه وماله وعرضه ومعتقده، بل ودعوته أيضاً، شريطة أن يحترم للآخرين ما احترموه له، وعلى هذه البنود يوقع الطرفان، وتصبح البيعة نافذةً وواجبةَ التطبيق.
أغلب الظن أن عرباً كثيرين يودون لو يكونون الآن في مثل هذه المراكز، يوقعون على تلك "البيعات"، وليس اللاجئين السوريين وحدهم، لأننا كلنا "في القمع شرق"، هاربون من "إسلام" أنظمة جاهلية، ومن "إسلام" دواعش خرجوا من كهوف يأجوج ومأجوج، ليعملوا في الناس تقتيلاً وترويعاً، ومن "إسلام" أبو درع الشيعي الذي أجازت له ملّته استخدام الساطور والمثقاب لتمزيق ضحاياه.
يود الراغبون بالبيعة أن يتركوا هذه الأصناف من أدعياء الإسلام وراء ظهورهم، ليتطاحنوا في ما بينهم وحدهم، وألا يكونوا هم وقود هذا التطاحن والتذابح، ولا بأس من أن يجهز الشياطين على بعضهم.
هي حقيقة قاسية أن يفر مسلمون من "إسلامٍ" مجوّف، أفقده تحالف الطغاة والجهلاء ووعّاظ السلاطين روحه وجوهره ومعناه، فيما نتوزع نحن "حصصاً" على بلدان العالم، بعد أن غرب "بدرنا" في أرضنا، وما عاد يطلع علينا من "ثنيات الوداع"، غير القتلة واللصوص وقطاع طرق الحرية والكرامة والحقوق، فيما صرنا نبحث عن بدرٍ آخر، يستقبلنا في العواصم التي نشتمها صباح مساء، ونتهمها بالكفر والفجور.
وبانتظار بدر عربي جديد، أقترح أن يبحث كل منا عن "حصته" التي سيرد اسمه فيها، ولو جرى الأمر على طريقة "القرعة"، وهنيئاً للمحظوظين.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.