السعودية ودعم السلفية عالميّاً

18 مايو 2016
+ الخط -
تتشابك مسائل كثيرة في مسألة دعم السعودية السلفية، والتي يتكرّر الحديث بشأنها منذ عقود، وترسخ أخيراً، في إطارات جدلية في أغلبها، خصوصاً في مناكفات دعم الإرهاب، مع صعود ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، و"القاعدة" قبلها. ومردّ الالتباس خلط عدة قضايا في سياق واحد، فيتم الخلط بين طبيعة السعودية، مجتمعاً يتم طمس تعدّديته، واختصاره في الحضور السلفي الكبير داخله، ودعم "الصحوة" عالمياً عن طريق المجتمع، وخلطه بدعم الدولة نموذجاً "غير مسيس" من السلفية.
المسألة الأخرى التي تتضمن لبساً كثيراً، عدم فهم تعدّدية السلفية نفسها، والتي يتم اختصارها غالباً في السلفية الجهادية بشكلٍ مجحف، فيما هذه فرعٍ من سلفيات متعدّدة، تمتد من تقديس الحاكم ورفض انتقاد "ولي الأمر" وحتى النموذج الراديكالي المتمثل في الخروج على الحكام بالسلاح، وتكفير المجتمع الخاضع له، كما في النسخة الجزائرية في التسعينيات.
يتم أيضاً الخلط بين تحالفات السعودية السياسية واعتبار السلفية قوة ناعمة للدولة، مع أنها لم تكن كذلك، فالسعودية دعمت شخصياتٍ وأنظمة علمانية، من علي عبدالله صالح في اليمن قبل 2011 إلى رفيق الحريري وتيار المستقبل في لبنان، ومن إياد علاوي في العراق فترة معينة، وحتى المؤسسة العسكرية في مصر الآن.
لتفكيك هذه النقطة، يمكن مقارنة استخدام إيران التشيع، بنسخته الخمينية القائمة على فكرة ولاية الفقيه، والرؤية السلفية التي تعزّزها السعودية، ونتائج هذا الدعم في الحالتين. فبينما لم يكن السلفيون يوماً قوة ناعمة للسعودية بالمعنى السياسي، بل التجمعات السلفية في أوروبا، في أغلبها، تمتلك موقفاً جذرياً ضد السعودية، نجد أن نشر إيران التشيّع كان ملازماً للولاء السياسي للمرشد الأعلى، المنصب الذي يطغى عليه الجانب السياسي، وتُرجم بصورة مليشيات عابرة للدول.
السعودية مجتمع متعدّد مذهبياً، بمعنى التعدد داخل الإسلام السلفي نفسه، وإن كانت الحنبلية أكثر حضوراً، بسبب تبني الدولة لها داخلياً، مع أن الدولة بدأت الانتباه إلى هذه المسألة، وتجلى هذا قبل سنوات، بوجود الفقهاء في هيئة كبار العلماء الرسمية: المالكي قيس آل مبارك، المنتمي إلى تقليد اجتماعي/ ديني مالكي في الإحساء، والشافعي الحجازي عبد الوهاب أبو سليمان، والحنفي يعقوب الباحسين. ووجود هؤلاء العلماء تعبير عن تعدّدية داخل المجتمع، لا سيما في شرق السعودية وغربها، وإن كان التقليد المذهبي الإسلامي في اندثار، في عموم العالم الإسلامي، بسبب ضعف المدارس الإسلامية التقليدية، كالأزهر في مصر، وقد ناقش هذه القضية مبكّراً، باستفاضة، الباحث رضوان السيد.
يتم عادة طمس هذه التعدّدية الموجودة لصالح ظاهرة أخرى، تعرف بـ "الصحوة"، وهذه لم تكن سلفية محضة بقدر ما هي تزاوج بين السلفية وحراك تيارات الإسلام السياسي، خصوصاً التي نشأت في مصر، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين، فما تم تصديره في العالم الإسلامي لم يكن وهابية محضةً كما يُطرح، أو سلفيةً حنبلية، بل رؤيةً تزاوج بين السلفية والإسلام الحركي. وتم ترويجها من خلال رجال دين وتجار، من دول خليجية عدة، وساهم فيها منظّرون من دول إسلامية مختلفة. ودخل هذا التقليد "الصحوة" في خصومة كبرى مع السعودية كدولة، بعد حرب الخليج الثانية، ما عزّز موقف الدولة السلبي منه.
أحدثت طبيعة هذا التزاوج بين الرؤيتين، السلفية والحركية، تبايناً مع السلفية التقليدية التي تتبناها السعودية، يبرز بصورة أكبر في القضايا السياسية، وعلاقة المسلم بالدولة والسلطة السياسية فيها، فالسلفية التقليدية ترتاب من الدولة، لكنها لا تقف ضدها، وقد تنتقد الحاكم، لكنها ترفض الخروج عليه، ومواجهته، بسبب إرثٍ فقهيٍّ طويل، من الأحكام السلطانية التي رسخت أمراً تاريخياً واقعاً، وحوّلته إلى فقهٍ يتمثل بالخضوع للحاكم.
هذه الرؤية هي النقيض لأفكار الصحوة من جهة، المسيسة بعمق، ومن أفكار السلفية الجهادية من جهة أخرى، خصوصاً فيما يتعلق بمحاولة الأخيرة فرض رؤيتها على فكرة الدولة، بدعوى "الحاكمية لله"، وهي المسألة التي لم تُناقش في السلفية التقليدية، بقدر مناقشتها في أدبيات الحركات الإسلامية التي ترعرعت بعيداً عن السعودية، من أبو الأعلى المودودي في الهند وحتى سيد قطب في مصر.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي