كرد سورية والفيدرالية

29 مارس 2016

سورية كردية في عيد النوروز في القامشلي (21 مارس/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
على وقع الدعوة التي أطلقها سيرغي ريفكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، بشأن إمكانية قيام دولة فيدرالية في سورية، سارع كرد سوريون إلى إعلان إقليم اتحادي فيدرالي، بعد نحو ثلاث سنوات من إعلانهم الإدارة الذاتية في ثلاثة كانتونات: عفرين، الجزيرة، كوباني – عين العرب، وذلك في مؤتمر عقد في مدينة رميلان، بمشاركة نحو 40 حزباً ومنظمة، بينها ممثلون عن العرب والتركمان والمسيحيين. وقد أثار الإعلان ردود فعل، اتسمت معظمها بالرفض، سواء من المعارضة والنظام، أو الأطراف الإقليمية والدولية، ولا سيما تركيا التي ترى أنها ستكون المتضرّر الأكبر من إقليمٍ كهذا على حدودها الجنوبية، على الرغم من أنها قبلت مع إيران بالفيدرالية في العراق أمراً واقعاً بعد احتلاله عام 2003.
لعل مصدر الجدل الكبير بشأن الفيدرالية في منطقتنا، هو اختلاف الرؤية بشأنها، نظاماً ومفهوماً وطبيعة، فالفيدرالية بالنسبة لمنطقتنا تبدو فكرة غريبة وغربية، حيث ينظر كثيرون إليها مدخلاً أميركياً – إسرائيلياً لتقسيم المنطقة وتفتيتها، فيما يرى مؤيدوها أن ثمة جهلاً بالفيدرالية مفهوماً وإدارةً وأسلوب حكم وتنمية وحلاً للمشكلات القومية والإدارية في دول متعددة القوميات والطوائف، ويضيف هؤلاء إن الفيدرالية لا تعني التقسيم، بقدر ما تعني الوحدة على أسس جديدة، بل بنظرهم باتت أفضل طريقةٍ للحفاظ على الوحدة الجغرافية للدول، بعد أن قطعت الأقاليم شوطاً كبيراً على طريق الانفصال عن المركز. وعليه، يتساءل هؤلاء عن أسباب رفض الفيدرالية والنظر إليها تقسيماً لا أكثر، من دون النظر إلى فوائدها، خصوصاً أن تجارب الحكم المركزي في العالم العربي ساهمت في إنتاج الاستبداد وحكم الحزب الواحد والديكتاتورية.
الغريب في طرح الفيدرالية في سورية أنه لم يأت من واشنطن، وإنما من موسكو التي هي حليفة النظام السوري، ولعل هذا ما يثير الغرابة أولاً، وأسئلةً كثيرة ثانيا. وفي الحالتين، ثمة قناعة عميقة بأن هناك اتفاقاً سرياً بين الجانبين، الأميركي والروسي، بشأن طرح الفيدرالية نظاماً للحكم، خصوصاً أن تصريح المسؤول الروسي جاء متناغماً مع التصريحات الأميركية، ولاسيما وزير الخارجية، جون كيري، عن احتمال تقسيم سورية، ومباحثات التسوية في جنيف 3، والبحث عن صيغةٍ لمرحلةٍ انتقالية.

وعليه، يمكن القول إن توقيت إعلان الكرد الفيدرالية مدروسٌ لجهة الظروف والمواقف والتطورات الميدانية على الأرض، إذ سبق أن طرحت أحزاب كردية، ولا سيما المنضوية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، الفيدرالية من دون الإعلان عنها، فيما كان وقتها يرفض حزب الاتحاد الديمقراطي الفيدرالية، ويتبنى فكرة الإدارة الذاتية، وسط جدلٍ بشأن طبيعة الفيدرالية ومضمونها، بين من يرى أنها ينبغي أن تكون على أساس قومي، كما هو حال الكرد، تعبيراً عن توقهم إلى إقليم قومي، ومن يرى أن الفيدرالية ينبغي أن تكون إداريةً لا أكثر، شكلاً من أشكال الحكم المحلي، بدلا من المركزي، فيما أغلبية القوى السورية المعارضة ترفض الفيدرالية جملة وتفصيلاً، إذ ترى فيها مدخلاً للتفتيت والتقسيم. وعلى الرغم من هذا الرفض، فان مسارعة كرد سورية إلى إعلان الفيدرالية يمكن إعادته إلى سببين. الأول: الموقف الروسي المؤيد خطوات الكرد، خصوصاً بعد فتح ممثليةٍ للإدارة الذاتية الكردية في موسكو، على شكل اعترافٍ مسبقٍ بالفيدرالية، قبل أن تطرح موسكو الفيدرالية، ومن ثم الحديث عنها في مفاوضات حل الأزمة السورية. والثاني: اعتقاد الكرد أن التطورات الميدانية على الأرض جعلت من الفكرة ممكنة، ولاسيما أن الفكرة تبنتها قوات سورية الديمقراطية التي حققت، وتحقق، بدعم غربي وروسي، تقدماً كبيراً على تنظيم داعش في محافظات الحسكة والرقة وحلب، أي مناطق الوجود الكردي في سورية.
بعيداً عن رفض النظام والمعارضة الفيدرالية، فإن الردود الفعلية لرفضها قد تأتي من تركيا وإيران، ما بدا واضحاً في زيارة رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، المفاجئة إلى طهران، في الرابع من مارس/ آذار الجاري، إذ ثمّة من ربط بين توقيت الزيارة وحديث روسيا والكرد عن الفيدرالية في سورية، فالطرح يثير حفيظة البلدين، إذ تبدو هناك قناعة تركية – إيرانية، تتعزّز يوماً بعد آخر، بأن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا سراً على تقسيم المنطقة، وهو ما يعني، حسب البلدين، إقامة إقليم كردي في شمال شرق سورية، على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق. ومع هذه القناعة، يرى البلدان أنهما سيكونان المتضرّر الأكبر منها، على اعتبار أن في البلدين أكبر كتلة بشرية من الكرد (تركيا قرابة 20 مليون وإيران نحو 8 ملايين). ولا بد لهؤلاء، في النهاية، أن يطالبوا بحقوقٍ مماثلةٍ لأبناء جلدتهم في سورية والعراق، وربما بدولةٍ قوميةٍ مستقلة في قادم الأيام. وعليه، جاءت التصريحات المتطابقة لأوغلو والرئيس حسن روحاني بخصوص وحدة الرؤية لجهة رفض الفيدرالية، بل وجدنا، للمرة الأولى، انتقادات إيرانية علنية لسياسة الحليف الروسي في سورية، فكان روحاني واضحاً في انتقاده الطرح الروسي للفيدرالية، عندما قال إن بلاده تدافع عن وحدة سورية وسيادة الدولة على كامل أراضيها، وما نقل عنه إن القيادة الإيرانية أبلغت روسيا أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها مبدأ يحظى بتأكيد طهران، في العراق وسورية، ولعل مثل هذا الموقف يشكل هاجس تركيا الأول، بعد أن أفرزت التطورات في العراق وسورية عن كيانين كرديين على حدودها الجنوبية، في وقت تشتد المواجهات مع حزب العمال الكردستاني في الداخل.

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.