التخاطــر الفكري

01 مارس 2016
+ الخط -
قال الله تعالى عن وجوب التأمل في النفس البشرية، وما أودعه فيها من قدرات (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، فكم هو رائع الغوص في تفاصيل هذه النفس، لنتعرف على الطاقات الكامنة فيها، ومن هذه الطاقات ما يسمى التخاطر عن بعد أو الاتصال الروحي، فكم مرة خطر ببالنا شخص معين، ثم سمع هاتفه يرن، وإذ بهذا الشخص نفسه هو المتصل؟ كم مرة خطر ببالنا شخص، فإذا بنا نلتقيه بعد لحظات؟ فعالم التخاطر أو الاتصال الروحي غريب مليء بالغموض، فهنالك من تأتيه هذه المقدرة بسهولة، وهنالك من يصل إلى البداية فقط، ثم لا يستطيع أن يكمل، وذلك كله مرتبط بالصفاء الروحي والإيمان بوجود هذه القدرات.
من المعترف بأن الإنسان يعيش في عالمين، الحسي والروحي، فالعالم الحسي تسيطر عليه الإدراكات الحسية، كالسمع والبصر والذوق واللمس والشم، أما العالم الآخر فهو الروحي أو عالم اللاّوعي، فتسيطر عليه أبجديات غير معروفة، ويتخبط العلماء في فك رموزها، وكلا العالمين يعيشان جنبا إلى جنب في حياة الناس، ويطغى بعضهما على بعض، حسب طبيعة الشخص ومقدراته الروحية والحسية، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها، والعوامل المؤثرة التي يخضع لتأثيراتها، فالتواصل مع الآخرين عن طريق التخاطر، يحدث عندما تنخفض قدرات عالم الحس وعند انكفائه، فالتخاطر عن بعد أو التخاطر الروحي، وله أسماء متعددة، مثل "التخاطر الذهني" هو نوع من الاتصال العقلي عند البشر، بصورة غير ملموسة بين شخصين محددين، بحيث يستقبل كل منهما رسالة عقلية من الطرف الآخر، في الوقت الذي يرسلها إليه، بغض النظر عن المسافة التي تبعد كليهما عن الآخر. باختصار، كلمة "التخاطر" معرفة أحدهما بما يدور في رأس الآخر.
فلنضرب أمثلة شبيهة بعملية التخاطر، كجهاز تحكم التلفاز مثلا (الريموت كونترول) أو كما انتشرت، الآن، في الهواتف النقالة وأجهزة الحاسب، تعتمد على نقل الملفات والبيانات، من جهاز إلى جهاز آخر، عن طريق الموجات وبدون أسلاك، بعضها قد يستقبل ويرسل، وبعضهم يستقبل فقط، ولا يرسل. عقل الانسان في حالة التخاطر كهذه الأجهزة أيضاً. التخاطر إذن استقبال للطاقة الصادرة من عقل أي شخص، وتحليلها في عقل المستقبل، أي أنه يدرك أفكار الآخرين، ويعرف ما يدور في عقولهم، وفي وسعه إرسال خواطره، وإدخالها في عقول الآخرين.
وهنالك أنواع وأشكال لهذا التخاطر مثل: إحساس الأم بولدها، عندما يقع له مكروه، كالمرض أو الحزن أو حادث مفاجىء لا قدّر الله، عندما تريد أن تقول جملة أو كلمة، وقد سبقك صديقك الذي يجلس معك بقولها قبلك، أو كأن يقول شخصان العبارة نفسها في الوقت نفسه، عندما تردد أغنية في عقلك، وتفاجأ بأن الذي معك يغنيها بصوت عال. عندما تتمنى أن يتصل بك أحد الأشخاص فتفاجأ بأنه اتصل بك في اللحظة نفسها مباشرة، وغالباً ما نتصوّره مثل هذه المواقف بأنها مصادفة بحتة، ولا نربط معطياتها بأنها عملية تخاطر، كانت قد حصلت بالفعل.
وحسب ما قرأت عن هذه الظاهرة وضمان نجاح نتائجها، يجب توفر بعض من الشروط. لذلك كأن تكون ليلة قمريّة، وتحلّي المرسل بصفاء الذهن تماماً، وهدوء الأعصاب، حيث يشترط أن توجد أيضا رابطة روحية، يعني أن تكون هناك محبة، ليس شرطاً أن تكون من الطرف المرسل والمستقبل، ولكن قد تكون من الطرف المرسل فقط، أو المستقبل وحده، وأن تكون أي نوع من المحبة، أخ، أم، أب، صديق،... حينها، يفكر بذلك الشخص ويتخيل وجوده أمامه، ويرسل إليه رسالة من صميم النفس، حينها تحصل عملية التخاطر الذهني، وغالبا ما تكون نسب النجاح في تحقيقها كبيرة.
أرى عملية التخاطر الفكري أو الذهني وسيلة جيدة للتواصل مع أشخاص، غابوا عن نظرنا وعن حياتنا منذ فترة زمنية، ما حدد لها نهاية. كثيرون ممن سيقرأون عن هذا الموضوع سيستخِفّون بالموضوع، أو حتى لا يصدّقون أنها علمٌ ودراسات بحثها أشهر العلماء والباحثين. يجب أن نضع بالاعتبار أن الحالات التخاطرية قد تحدث طوال الوقت، في نهارنا وليلنا، لكننا نفتقر إلى الإدراك للتعرف عليها، فلِمَ لا نغوص داخل المحيط لاكتشافه، بل يكفينا النظر إلى سطحه، والاستمتاع بهدوئه فقط.



3193C8E7-6990-445B-9F87-657C3F7F3209
3193C8E7-6990-445B-9F87-657C3F7F3209
فرح العبدالات (الأردن)
فرح العبدالات (الأردن)