الشباب والريع السياسي

19 فبراير 2016
+ الخط -
عرفت الساحة السياسية المغربية في الآونة الأخيرة رجة كبيرة حول إلغاء اللائحة الوطنية للشباب، في وقت تفجرت فيه حملات عديدة تطالب بإلغاء جل أشكال الريع والفساد الذي يعشش في بيئتنا السياسية والمجتمعية، مطالبين بالتنزيل السليم للمضامين الدستورية التي جاء بها تعديل فاتح يوليو،تموز 2011، بأمل ترشيد سياسة البلاد، ووضع أسس متينة للحكامة المؤسساتية والقانونية والاقتصادية، من أجل استتباب الظروف المهيئة لعدالة اجتماعية حقيقية.
الإصلاح الحقيقي يستوجب الوعي التام بالمضامين الدستورية لإيجاد أرضية سياسوية صلبة، تقطع مع الأشكال البالية المتجاوزة، ليستفيق مشهدنا السياسي من سباته العميق، في ظل ما يعرفه الحراك والشارع المغربي من نقاشات عمومية تؤجج المشهد الوطني، وتواكب التطورات والتحولات الإقليمية والدولية التي يعرفها العالم.
وبالعودة إلى السياق الأصلي للموضوع، من الناحية الدستورية لا وجود لنص صريح، يعبر عن مشروعية اللائحة الوطنية للشباب وقانونيتها، باستثناء بعض التأويلات والإجتهادات لبعض النصوص الدستورية التي أشارت إلى المشاركة السياسية للشباب، مع تغيب أخرى، واستعمال بعضها في غير سياقاتها الأصلية، ما يتعارض مع كنه الوثيقة الدستورية، والتي تقر صراحة بوجوب ديمقراطية تمثيلية حقيقية تحتكم لصناديق الإقتراع بطريقة مباشرة.
قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين أول 2011 الذي أقر بمطابقة القانون التنظيمي للوثيقة الدستورية، على الرغم من الضرب الصارخ للمساواة التي جاءت بها الأخيرة في الشق الذي يتعلق بالشباب (الجانب الذكوري)، واتسام هذا الموقف بعدم الوضوح تفسره مجموعة من العوامل السياسية وطبيعة الظرفية التي حملتها تنزيل القرار من توتراتٍ إقليمية، والدور الذي لعبه الشباب في تغير مجرى الأحداث، ومعظم النقاشات الأكاديمية التي دعت إلى مشاركة حقيقية لهذه الفئة من المجتمع في الحياة السياسية، بالإضافة إلى الخطابات الملكية في تلك الظرفية الحساسة التي كانت تشدد على ضرورة إدماج الشباب في الحياة المجتمعية والسياسية على حد السواء. وبعبارة أخرى، ليس حباً في الشباب وطاقاته، بل المرحلة استوجبت تكريس هذا الريع الإنتخابوي.
أضف إلى ذلك أن مضمون هذه اللائحة يعيق إرساء مبادئ تكافؤ الفرص بين الشباب، في غياب ديمقراطية حقيقية داخلية للأحزاب السياسية وجمود أفكارها، ومحاولة فرض هيمنتها وسلطويتها على كل الأمور التنظيمية المتعلقة بأمورها الداخلية في غياب تصورات واضحة وسلاسة التعامل مع قضايا جوهرية، تستحق مواكبة أسئلة العصر، والرقي من الفكر الدكتاتوري الستاليني إلى الإيمان بمبادئ الديمقراطية الحقة، ومحاولتهم فرض بعض الأسماء والصعود بها إلى العلن كوجوه بارزة داخل تنظيماتهم الموازية، من أجل تحقيق مآربهم الموحشة التي تجعل من مناصب القرار إرثاً موهوباً من طرف زعماء أحزاب براغماتية صارت أشكال الديمقراطية أساطير تحكى فقط داخل دولابها.
لكن ما يثير الضحك، والاستغراب، هو شد حبل النقاش بين بعض الشبيبات الحزبية وقيادتها المتصدرة للمشهد السياسي الشبابي المغربي، بدفاعها عن لائحة انتخابوية ريعية بامتياز، تحت ذريعة ضمان تمثيلية الشباب داخل قبة البرلمان، ونهج خطابات نرجسية تسوف المستقبل، وتميع نقاش الإلغاء، والجر به نحو نفق موصد يشبع مطامعهم، من أجل اصطياد مقعد لطالما استهوى كثيرين، وحلموا بالجلوس عليه، بغرض تكريس الشهوانية الذاتية، متناسين الضرورة الشعبية وتعزيز سياسة الدولة المواطنة.
من غير المعقول والمنطقي أن تقاوم هذه الزعامات الشبابية (أي قيادي الغد التي يعبر عديدون منهم أنهم نتاج الحراك الشعبي الديمقراطي الذي عرفته الأقطار العربية، من أجل استتباب ريع يستهدف كنه ثقافة التداول والتكافؤ الحكيم للفرص، ويتعارض مع كل المفاهيم والأفكار التي تدعو لتخليق الحياة السياسية وتشيع جنازة النخبوية الزائفة. أحجية تشبيب الهياكل الحزبية ودعم المشاركة الشبابية في الساحة السياسية هي قرارات تتم من عمق النظم الحزبية والمؤسساتية، وليس بتكريس ريع سيساهم باتساع هوة الفوارق المجتمعية، فقرار الإلغاء لا يجب التعامل معه بمنطق أخلاقي، وبين ضرورة مفهومي (نعم أو لا) بل بالدرجة الأولى بطلانه بقوة القانون، وعدم مشروعية هذه اللائحة، بحجية عدم توفرها على سند تشريعي دستوري.
على شباب التنظيمات الحزبية، أن يقفوا مع ذواتهم، ويفكروا بعقلانية أكثر، فلا يمكن تصور زهور الربيع العربي التي هتفت وصدحت حناجرها بالتغيير أن تكرس سياسات رعوية تساهم في هشاشة البنية، والأسس التي تنبني عليها ساحتنا السياسية المغربية، بل عكس ذلك، يجب على الشباب استكمال مشروعهم النضالي من داخل كياناتهم الحزبية، من أجل ترسيخ العدالة الداخلية وهدم جل القيم الفوقية.
avata
avata
محمد أبو خصيب (المغرب)
محمد أبو خصيب (المغرب)