13 فبراير 2022
حيرة الواقفين على باب التغيير
لم يعد مفاجئاً أن يستوقفك شخصٌ ليسأل: إلي أين نحن سائرون؟ وما العمل؟ بنبرةٍ تحمل همّاً وأملاً. يظن السائل أن الذي سأله يحمل إجابةً شافية لسؤاله، أو أن بيده عصا سحرية، يمكنها أن تحقق التغيير المنشود. أحمل السؤال معي، فيلقاني شخصٌ آخر فيطرح السؤال نفسه، فيزداد الأمر صعوبةً، ويزداد الهمّ، ولا أملك أمامه إلا الصمت. أشعر بأن الأمر يتجاوز مجرد الاستماع إلى سؤال هذا وذاك، وأن وظيفتنا، نحن معشر المثقفين والباحثين والكتاب، باتت تتجاوز الاهتمام بالشأن العام والمساعدة في فهمه، والعمل علي تغييره وتحسينه، إلى أن نصبح أطباء نفسيين، نحاول علاج الآخرين من همومهم وكدرهم. ولكن، كيف يستقيم ذلك، إذا كان المثقف نفسه عاجزاً عن مداواة همّه وعجزه؟! أو إذا كان هو ذاته، في بعض الأحيان، جزءاً من المشكلة، وليس الحل. ولا أظن أن وظيفة المثقف أن يتحوّل إلى مقدّم خدمة أو "بائع" لسلع "التغيير"، بالطريقة التي قد ترضي العميل، وإلا انتفت النزاهة، وانزوى الصدق، وضاعت الأمانة.
ليست وظيفة المثقف أن يقدّم روشتة، أو وصفةً علاجية لأمراض مجتمعه، بقدر ما هي مساعدة المريض على مقاومة مرضه بذاته، خصوصاً إذا كان هو ذاته جزءاً من المرض، وفي أحيان أخرى، أصله ومنبعه. وفي سؤال المريض، أحياناً، عن العلاج، تحايل على المرض، وعلى الطبيب ذاته. فهو يعلم أن المشكلة فيه، وفي خياراته وقراراته. لذا، فإن أنجع وسيلة للعلاج هي مصارحة المريض ومكاشفته بأصل مرضه، وإفاقته من حالة الاستسلام لكلام الآخرين عن التغيير المنشود، بينما هو غارق في همّه ومصالحه الشخصية.
بكلماتٍ أخرى، ليست وظيفة المثقف (وهو هنا الطبيب) إرضاء المواطن المهموم (وهو هنا المريض)، بكلماتٍ وعباراتٍ إنشائية، تحمل بداخلها ادعاءً زائفاً بالقدرة على الفعل، وإنما الكشف له عن أصل المرض، وحثّه علي علاج نفسه بنفسه، ومصارحته بأن الجهل بالمرض هو أصل الداء. كذلك يبالغ العاديون في دور المثقفين، ويتعاطون معهم وكأنهم ذوو سلطةٍ حقيقية، أو بيدهم تغيير الأوضاع. صحيح أن بعضاً من المثقفين والنخبة يستمزجون لعب هذا الدور، ويمارسون تدليساً على العامة، من باب تضخيم الذات وتغذية الشعور بالأهمية والتأثير، وهو أمرٌ بات مكرّراً وعادياً، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يطمس حقيقة وزن المثقف ودوره في مجتمعاتنا العربية، والذي قد لا يتجاوز تأثير المواطن في عاديته وقدرته المحدودة.
بيد أن أسئلة الحائرين الواقفين علي باب التغيير، لنا نحن المثقفين، مهمّة، إن لم تكن لذاتها، فعلى الأقل لإفاقتنا من سكرة الأنا، والمبالغة في أدوارنا وقدرتنا علي إحداث التغيير، بمجرد القول والكتابة. ذكّرني ذلك بحديثٍ عابرٍ، قبل يومين، مع الناشر الصديق، نوّاف القديمي، عن أوضاع المثقفين وأدوارهم في هذه المرحلة البائسة، وما يحدث في مجتمعاتنا، والذي يري نوّاف أنه مجرد دور ثانوي، ولا ينبغي أن يُقارن بأدوار الفاعلين الحقيقيين على الأرض من قوى وجماعات وشبكات التغيير، انطلاقاً من بنية الصراع الحقيقي وعلاقات القوة التي يخلقها. ويبدو أن واقعية الصديق نواف، الممزوجة بمسحة يأسٍ تقاوم بقايا أملٍ، يراوح مكانه، تعكس جزءاً من الحقيقة، خصوصاً في ظل ادعاء مثقفين كثيرين بمحورية دورهم في التغيير، في حين أنهم كانوا آخر من لحق به، كما دلّت على ذلك حالة "الربيع العربي".
ولعل الحل الأنجع لهذه المسألة، أن يعود المثقفون إلى عاديتهم، من دون تهليلٍ أو تهويلٍ لدورهم، وأن تكون وظيفتهم، كما يقول سارتر، الانحياز لقضايا عصرهم العادية، قولاً وفعلاً، وهذا أقل القليل.
ليست وظيفة المثقف أن يقدّم روشتة، أو وصفةً علاجية لأمراض مجتمعه، بقدر ما هي مساعدة المريض على مقاومة مرضه بذاته، خصوصاً إذا كان هو ذاته جزءاً من المرض، وفي أحيان أخرى، أصله ومنبعه. وفي سؤال المريض، أحياناً، عن العلاج، تحايل على المرض، وعلى الطبيب ذاته. فهو يعلم أن المشكلة فيه، وفي خياراته وقراراته. لذا، فإن أنجع وسيلة للعلاج هي مصارحة المريض ومكاشفته بأصل مرضه، وإفاقته من حالة الاستسلام لكلام الآخرين عن التغيير المنشود، بينما هو غارق في همّه ومصالحه الشخصية.
بكلماتٍ أخرى، ليست وظيفة المثقف (وهو هنا الطبيب) إرضاء المواطن المهموم (وهو هنا المريض)، بكلماتٍ وعباراتٍ إنشائية، تحمل بداخلها ادعاءً زائفاً بالقدرة على الفعل، وإنما الكشف له عن أصل المرض، وحثّه علي علاج نفسه بنفسه، ومصارحته بأن الجهل بالمرض هو أصل الداء. كذلك يبالغ العاديون في دور المثقفين، ويتعاطون معهم وكأنهم ذوو سلطةٍ حقيقية، أو بيدهم تغيير الأوضاع. صحيح أن بعضاً من المثقفين والنخبة يستمزجون لعب هذا الدور، ويمارسون تدليساً على العامة، من باب تضخيم الذات وتغذية الشعور بالأهمية والتأثير، وهو أمرٌ بات مكرّراً وعادياً، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يطمس حقيقة وزن المثقف ودوره في مجتمعاتنا العربية، والذي قد لا يتجاوز تأثير المواطن في عاديته وقدرته المحدودة.
بيد أن أسئلة الحائرين الواقفين علي باب التغيير، لنا نحن المثقفين، مهمّة، إن لم تكن لذاتها، فعلى الأقل لإفاقتنا من سكرة الأنا، والمبالغة في أدوارنا وقدرتنا علي إحداث التغيير، بمجرد القول والكتابة. ذكّرني ذلك بحديثٍ عابرٍ، قبل يومين، مع الناشر الصديق، نوّاف القديمي، عن أوضاع المثقفين وأدوارهم في هذه المرحلة البائسة، وما يحدث في مجتمعاتنا، والذي يري نوّاف أنه مجرد دور ثانوي، ولا ينبغي أن يُقارن بأدوار الفاعلين الحقيقيين على الأرض من قوى وجماعات وشبكات التغيير، انطلاقاً من بنية الصراع الحقيقي وعلاقات القوة التي يخلقها. ويبدو أن واقعية الصديق نواف، الممزوجة بمسحة يأسٍ تقاوم بقايا أملٍ، يراوح مكانه، تعكس جزءاً من الحقيقة، خصوصاً في ظل ادعاء مثقفين كثيرين بمحورية دورهم في التغيير، في حين أنهم كانوا آخر من لحق به، كما دلّت على ذلك حالة "الربيع العربي".
ولعل الحل الأنجع لهذه المسألة، أن يعود المثقفون إلى عاديتهم، من دون تهليلٍ أو تهويلٍ لدورهم، وأن تكون وظيفتهم، كما يقول سارتر، الانحياز لقضايا عصرهم العادية، قولاً وفعلاً، وهذا أقل القليل.