تعزيز قانون التظاهر في مصر

05 ديسمبر 2016
+ الخط -
في تزامنٍ ملفت، أصدرت المحكمة الدستورية العليا، أول من أمس، حكمها في عدة دعاوى مرفوعة أمامها للمطالبة بعدم دستورية عدد من مواد القانون، استناداً إلى تعارضها مع نصوص دستور 2014. بعد أيامٍ من إعلان السلطة في مصر نيتها تعديل قانون التظاهر.
يغلُّ حكم الدستورية العليا يدَ وزارة الداخلية جزئياً عن انتهاك حقّ التجمع والتظاهر السلمي. ومن ثم، فهو خطوةٌ إيجابية، كونه يثَبِّت الحق في التظاهر، بمجرد استيفاء شروط الإخطار، ولصدوره عن المحكمة الدستورية، ما يعني عدم إمكانية الطعن عليه أمام أيّ سلطةٍ قضائيةٍ أخرى.
إلا أن الوجه الآخر لهذا الحكم أنه يغلق الباب أمام أية مطالباتٍ أخرى بتعديل القانون. حيث ستعتبر الحكومة أن حكم "الدستورية" بمثابة تحصينٍ للقانون، ومباركةٍ له، ليس فقط بالمنظور القانوني، وإنما أيضاً من الناحية السياسية. على أساس أن الدستور، نصاً وروحاً، هو مرجعية تلك المحكمة، فضلاً عن أنه الإطار الناظم للأسس والمبادئ التي تقوم عليها، تعمل الدولة وفقاً لها، كما هو مُفترض. وسترد الحكومة على أية مطالبات أخرى بتعديل القانون، أو تخفيف بعض مواده، خصوصاً التي تتضمن عقوباتٍ، بأن القانون صار يتّسق مع نص الدستور وروحه، وأن حكم "الدستورية" بإبطال مادة واحدة من مواده، يعني ضمنياً أن بقية مواده سليمة دستورياً، خصوصاً المواد الثلاث الأخرى التي كانت موضوع الدعاوى (7 و8 و19). وهي المواد التي توسع نطاق الجرائم المرتبطة التي تضع شروطاً تعجيزية لمواصفات الإخطار، وتفرض عقوباتٍ مغلظةً على الإخلال بها.
بالتالي، لا سبيل إلى المطالبة بتعديل القانون مرة أخرى، إلا أمام المحكمة الدستورية نفسها، ومن مدخل عدم دستورية بعض موادّه، على ألا تكون منها تلك الثلاث التي أقرّت المحكمة دستوريتها. إذن، على المصريين التعامل مع قانون التظاهر، بوضعه الجديد. أو بالأحرى على وضعه الأصلي، مع إلغاء حق وزارة الداخلية في السماح أو المنع. فضلاً عن أن باب المنع لم يغلق نهائياً في وجه الداخلية، إذ يمكن لها اللجوء إلى القضاء المستعجل لهذا الغرض.
هذا لا يقلل من أهمية حكم الدستورية الذي ضمِن حق التجمع والتظاهر بالإخطار وليس بالاستئذان. وهو بذاته خطوة على طريق الاسترداد الكامل للحق في التجمع والتظاهر وإبداء المواقف وإعلان المطالب، أي من دون قيودٍ تكبله، أو شروط تمنعه ولا تنظمه.
لكن المشكلة ليست في قانون التظاهر فقط، وإنما في حرمان المصريين بأشكال مختلفة ووسائل متنوعة، تشمل القيود القانونية وغيرها، من حرية التعبير. وهي ركنٌ أساسٌ في المواطنة بمعناها الحقيقي. مع التسليم بأن التعبير عن المطالب أو العمل من أجل تصحيح أوضاعٍ خاطئة، لا يكون فقط بالتظاهر. فهو في النهاية ليس غايةً لذاته، وإنما وسيلة تعبير، وآلية لمخاطبة السلطة.
وتظلّ حرية التعبير، بما تشمله من حق التجمع والتنظيم والتظاهر، من المكتسبات القليلة التي انتزعها المصريون، بفضل ثورة يناير. وهو الذي لولاه لما تمكّن مدبرو حملة تمرد من تنظيمها، وجمع التوقيعات لها. ولما أتيحت الفرصة كاملة، من دون أي قيود، للتخطيط والحشد لتظاهرات 30 يونيو التي فتحت الباب أمام "3 يوليو" وما بعده. ولو كان قانون التظاهر الحالي مُطبّقاً قبل 30 يونيو، لكان السجن مصير كل من خرج إلى الشارع في ذلك اليوم، أو جمع توقيعات وعقد مؤتمرات معارضة في الفترة السابقة عليه، فإما كانت تلك الأحداث حقاً أصيلاً لكل مواطن، وبالتالي، تظل حقاً له في كل عصر. أو أنها كانت تجاوزات غير مشروعة، وبالتالي، باطلة ويسري بطلانها على كل ما ترتب عليها لاحقاً. فالمعادلة واحدة، والمبدأ لا يتجزأ باختلاف الأطراف، أو تبدُّل مواقعها.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.