صراع أوباما ونتنياهو

30 ديسمبر 2016

لقاء أخير بين أوباما ونتنياهو في نيويورك (21/9/2016/Getty)

+ الخط -
لا يخلو الخطاب الأخير لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، حول امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2334 الخاص بإدانة المستوطنات الإسرائيلية، من مفارقات ودلالات عديدة. ليس أقلها أن الخطاب بدا كما لو كان انتقاماً شخصياً من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وصفعة على وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ولو أنه يخشى التداعيات السلبية على حزبه ومستقبله، لكان أوباما هو من ألقى الخطاب وليس كيري. لا يعني الخطابُ الفلسطينيين كثيراً، كونه ليس فقط يأتي في الأسابيع الثلاثة الأخيرة لإدارة أوباما التي عجزت، طوال السنوات الثماني الماضية، عن أن تحقق اختراقاً حقيقياً في جدار المفاوضات الثنائية المغلق منذ انهيار اتفاقات أوسلو، قبل أكثر من عقد ونصف العقد، وصعود اليمين المتطرّف في إسرائيل إلى سدة السلطة. ولكن، لأنه لم يأت بأي جديد. فالموقف الأميركي من المستوطنات كان وسيظل حبراً على ورق، بل إن هذا الموقف المتراخي طوال العقود الثلاثة الماضية هو الذي شجّع إسرائيل على التوحش والتمدّد في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وكم كان مضحكاً أن يذكّر كيري إسرائيل، بأن إدارة أوباما من أكثر الإدارات الأميركية مساعدة وتأييداً لإسرائيل، سواء بالدعم المالي، أو العسكري، أو اللوجيستي.
بكلمات أخرى، فإن خطاب كيري، والموقف الأميركي كله من ملحمة القرار 2334، ليس له علاقة بالمسألة الفلسطينية، ولا يمسّ أصل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بقدر ما هو جولة، ربما تكون الأخيرة، في الصراع بين أوباما ونتنياهو، اختار فيها الأول أن يعاقب الثاني بعد ثماني سنوات من العلاقات المتوترة والمشدودة بينهما. بيد أن الخطاب كان تذكيراً جيداً لكل من راودته أوهام عدم انحياز واشنطن لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، أو اعتبارها وسيطاً نزيهاً في هذا الصراع. كما كان الخطاب كاشفاً عن حجم السيطرة والتحكّم التي تمتلكها إسرائيل على السياسة الأميركية الذي تمارسه إسرائيل. فمنذ إذاعة الخطاب، لم تتوقف الانتقادات الصاخبة لكيري وأوباما من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خصوصاً من أعضاء الكونغرس الذين اتهموا أوباما بتعزيز عزلة إسرائيل دولياً وتقويضها إقليمياً. وقد استغل الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، الفرصة كي ينهال على إدارة أوباما بالانتقادات، وفي الوقت نفسه يقدم نفسه باعتباره الخادم الجديد لإسرائيل في البيت الأبيض.
كشف انهماك كيري في تفكيك المقولات الإسرائيلية بشأن عدم خطورة الاستيطان على مسألة حل الدولتين، والتي رآها بعضهم أمراً غير مقبول، الموقف الحقيقي لكثيرين من الساسة الأميركيين الذين لا يبالون فعلياً بمسألة حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فانزعاجهم الشديد من تمرير القرار يؤكد أنهم يمارسون تدليساً سياسياً على الفلسطينيين، بإبداء اهتمام بحل الصراع. والحقيقة أنهم يشترون مزيداً من الوقت، من أجل تمكين إسرائيل من استكمال عملية الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بشكل يستحيل معه قيام دولة فلسطينية، وعلى أقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية. وكأن هذا الموقف قد أعاد تعريف المواقف على حقيقتها، وكشف زيف كل المحاولات الأميركية بادعاء الاهتمام بالسلام وحل الصراع.
ولم يغفل خطاب كيري أن يذكّرنا، أيضا، بالسلام الدافئ الذي تتمتع به إسرائيل حالياً مع بعض البلدان العربية، وذلك في الانشغال بمسائل أخرى، مثل إيران و"داعش" والحرب على الإرهاب. وبدا كيري كأنه أكثر حرصاً على مصلحة الإسرائيليين من أنفسهم، وذلك من خلال استجدائهم وحثهم على عدم تضييع هذه الفرصة التاريخية، بالتركيز فقط على امتناع بلاده عن التصويت على القرار 2334. وهو أمر كاشفٌ ومعبرّ عن نظرة الأميركيين والإسرائيليين للفلسطينيين وللعرب عموماً، والتي لا تخلو من استهانةٍ، إن لم يكن احتقاراً.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".