ترامب بين "البيزنس" والرئاسة

02 ديسمبر 2016
+ الخط -
تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بالفصل بين منصبه الرئاسي وإمبراطوريته المالية، وذلك في رد على التساؤلات التي أثيرت طوال الفترة الماضية حول وجود تضاربٍ في المصالح بين الأمرين. وانتشرت أنباء كثيرة بشأن تفويض ترامب أبناءه لإدارة أمواله وشركاته وثروته التي تتجاوز ثمانية مليارات من الدولارات. بيد أن لغة ترامب بشأن هذه المسألة لم تكن جازمة، حيث أشار إلى تخليه عن إدارة أعماله، وليس عن الأعمال نفسها، وهو ما يثير شكوكاً كثيرة بشأن مصداقية ترامب، وقيامه بالفعل بالفصل بين وظيفته وأعماله الخاصة.
حقيقة الأمر، لا تكمن المشكلة في ما إذا كان ترامب سيفصل فعلياً بين أعماله ووظيفته، ولكن في حجم التسهيلات التي سوف يمنحها لكثيرين من الأغنياء ورجال الأعمال، من خلال عدم فرض ضرائب جديدة عليهم. وقد عيّن، قبل يومين، ستيفن مينوتشين، وهو أحد رجال الأعمال والمضاربين في "وول ستريت" وفي صناعة السينما في "هوليوود"، وزيراً للخزانة. وقد تعهد مينوتشين بعدم فرض أية ضرائب علي الأغنياء، بل على العكس، سيقوم بتخفيضها. وكانت هذه إحدى تعهدات ترامب في أثناء الحملة الانتخابية. ومن المتوقع أن يجري مينوتشين تغييراتٍ جذرية على اتفاقات التجارة الحرة بين أميركا وبقية دول العالم ومناطقه.
لا يعد ترامب الرئيس الثري الأول الذي يرأس الولايات المتحدة، فقد حدث ذلك مرات مع رؤساء آخرين، منهم الرئيس الأول وأحد الآباء المؤسسين، جورج واشنطن، والذي بلغت ثروته آنذاك حوالي نصف مليار دولار بأسعار القرن الثامن عشر، وكذلك الرئيس توماس جيفرسون بثروة بلغت 212 مليون دولار، وثيودور روزفلت الذي بلغت ثروته 125 مليون دولار. بيد أن هؤلاء جميعاً نجحوا في الفصل بين ثرواتهم ووظيفتهم العمومية في البيت الأبيض بشكل كبير، ولم تُثَر حول أيٍّ منهم شبهات أو اتهامات حول استغلال وظيفته لتعظيم مكاسبه ومصالحه الشخصية.
تكمن مشكلة ترامب في سجله المالي والأخلاقي، والذي لا يخلو من مشكلات وشبهات فساد تتعلق بالتهرب الضريبي، ناهيك عن محاباته رجال الأعمال. وهو الذي ورث ثروته عن أبيه، وأدارها طوال السنوات الأربعين الماضية، ما جعله أحد أبرز رجال المال والأعمال في الولايات المتحدة. وما لم يقم بالفصل التام بين مهام وظيفته وأمواله قد يتعرّض للمساءلة والمحاسبة، وربما إطاحته من خلال الكونغرس، إذا ما تم اكتشاف وجود استغلال للوظيفة العامة في حماية مصالح بعض رجال الأعمال. وبالطبع، لا يمكن تصديق كل ما يقوله الرجل عن مسألة الفصل. فهو يكذب مثلما يتنفس، وقد تراجع عن وعودٍ وعهودٍ كثيرة قطعها على نفسه، في أثناء حملته الانتخابية.
ويعد انحياز ترامب لرجال الأعمال نوعاً من التخلي عن الطبقتين، الوسطى والدنيا، الذين صوّتوا له، خصوصاً الطبقة العاملة التي اعتقدت، خطأ، أن ترامب سوف ينقذها، ويحسّن أوضاعها الاقتصادية، من خلال وعوده بإعادة المصانع الأميركية من الخارج، وتوفير فرص عمل جديدة. وهي وعودٌ كانت فقط للاستهلاك الإعلامي، ومن أجل تعبئة جمهور الغاضبين من المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون.
ولن يمرّ وقت طويل، لكي يكتشف أبناء الطبقة الوسطى الأميركية حجم الخداع الذي تعرّضوا له علي أيدي ترامب وعائلته الذين لم يعانوا أية مشكلات اقتصادية، ولا يعرفون حجم الصعوبات التي تواجه قطاعات كبيرة من المجتمع الأميركي الذي يعد من أكثر المجتمعات سوءاً في العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".