التهجير كجريمة حرب

02 اغسطس 2015
+ الخط -
كمهتم بالشأن العام، لم يتلق أي تأهيل حقوقي، أعتقد أن القانون الدولي لا يعتبر اقتلاع شعب من أرضه وطرده من وطنه، وتدمير كل ما بناه من عمران على مدى قرون، وتهجيره وتشريده في أربع أصقاع الأرض، جريمة حرب يجب معاقبة مرتكبيها، أو أنه يعتبر ذلك جريمة، لكن مؤسساته تمتنع عن معاقبة المجرمين، لأسباب مخالفة لأي قانون وواجب إنساني، تتصل بتدخلات دول كبرى وعظمى، يفترض أن لها مسؤولية خاصة عن أمن شعوب العالم وسلامها، وخصوصاً منها التي ترزح تحت نير استبداد يتباهى القائمون عليه بقتل أي صوت يعارضهم، أو يمتنع عن السير في ركابهم: سواء صدر عن أفراد أم جماعات، أم عن شعوب بأكملها.

لا يمكن لمخلوق تقديم معلومات لا تعرفها هيئات ومؤسسات الشرعية الدولية حول ما تعرض ويتعرض له الشعب السوري من قتل وتهجير وتعذيب ومطاردة وحصار وتجويع وإبادة، على يد نظامه. ولا يمكن لمهتم بالشأن السوري امتلاك قدر من المعلومات يبز في تفاصيله ووقائعه الدامغة ما توصلت إليه تحقيقات الأمم المتحدة واستقصاءاتها حول الأوضاع السورية التي صارت تلقب "مأساة القرن". أخيراً، لا يمكن لأي صوت أن يرتفع أكثر مما ارتفعت أصوات مسؤولة عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافي بيلاي، والفريق العامل معها، دفاعاً عن حق السوريين في محاكمة" فشار الأسد" وبطانته، الذين ارتكبوا فظاعات يستحيل أن يخطر ما يماثلها ببال كتاب سيناريوهات أفلام الرعب.
مع ذلك، لم يتخذ أي إجراء ضد المجرم، حتى بعد أن أعلن في خطاب سمعه العالم رفضه أن يكون لشعب سورية أي حق في وطنه، وتصميمه على منحه المرتزقة الغرباء من قتلة بناته وأبنائه الذين قال إنهم يحمون سورية، مع أنه ليس بينهم سوري واحد، بما تحمله هذه "النظرة" من منطويات إجرامية، لا تخفي على منظمات الشرعية الدولية التي لا بد أن يكون خبراؤها القانونيون قد فهموا تماما ما عناه، وهو أنه عازم على إبطال جميع الحقوق، بما فيها حق المواطنة، عمن لا يقاتل من السوريين ضد الشعب الذي ينتمي إليه، وعلى استبداله بأول مرتزق يفد إليها ليقتل المطالبين بحريتهم من مواطنيها، الذين نعتهم بـ "الإرهابيين"، الذين سينكل بهم ويقتلهم ويشردهم ويهجرهم، لأنهم مارسوا حقهم الطبيعي المعترف به دولياً، وثاروا عليه، وطالبوه بالتنحي عن الحكم.
لماذا لا تبادر المؤسسات الدولية إلى اعتبار تهجير شعب سورية من وطنه جريمة حرب؟ وإذا كانت ترى فيه جريمة كهذه، لماذا لا تقدم مرتكبيها، " فشار" وبطانته، إلى محكمة الجنايات الدولية، كما طالبت بيلاي مرات في مؤتمرات صحافية عقدتها؟ هل وقع الامتناع عن نصرة العدالة، لأن دولة، أو دولا كبرى، لا تريد أن تنتهي مأساة سورية، قبل تحقيق أهدافها العربية والإقليمية والدولية، بواسطتها؟ أليس مما يقوّض الشرعية الدولية ومؤسساتها، والقانون الدولي وقيمه، ألا يعتبر تهجير وتقتيل شعب آمن ومسالم جريمة حرب، ولا تطبق العدالة عليه ولا تحميه، على الرغم من مسوغات تطبيقها الكثيرة، بينما تتم حماية الأفاعي والضواري والوحوش، وتنفق أموال طائلة لحفظ أنواعها التي لا أشكك في أهميتها لحفظ التوازن البيئي، لكن إنقاذها ليس أكثر أهمية من إنقاذ شعب يقتل بالجملة، تحت سمع وبصر عالم يتلذذ بموته وطرده من وطنه، يعاقبه لأنه فقد الأمل والصبر، ويقصفه يومياً بحجة محاربة المتطرفين!
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.