هل سكان الفضاء مسلمون؟

28 يوليو 2015

الكوكب المكتشف حديثا "كيبلر"

+ الخط -
ما إن قرأت خبر اكتشاف وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) كوكباً شبيهاً بكوكب الأرض في صلاحيته للحياة، حتى تذكرت هذا السؤال الذي لعلك توافقني، أنه سيكون من أبرز ما يفكر فيه الملايين من أبناء أمتنا، لو اتضح، فعلاً، أن هناك سكانا للفضاء في هذا الكوكب أو ذاك. 
صادفت هذا السؤال، للمرة الأولى في عام 1996، حين نشرت صحيفة الديلي ميل البريطانية فصولا من كتاب يقطع مؤلفاه بوجود حياة على سطح المريخ، زاعمين أن حضارة متقدمة علميا سكنته، بدليل وجود صور لأهرامات ضخمة وتمثال لأبي الهول على سطحه، ليرد علماء كثيرون على زعمهم، ويعتبروه تأويلا بصريا متعسفاً لتضاريس سطح المريخ، ما يجعل من الخطأ التسرع في تصديقه وبناء أحكام عليه.، لكن ذلك لم يمنع صحيفة اللواء الإسلامي المصرية، الدينية واسعة الإنتشار، من أن تنفرد بمدخل خاص في التعامل مع ذلك الحدث، حيث وضعت على صدر صفحتها الأولى عنوانا ضخما يسأل: هل بعث الله إلى سكان الفضاء رسلا، وهل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي التي بلغتهم؟. وأجابت على ذلك السؤال المدهش، بحوار أجرته مع أستاذ في كلية الآداب جامعة قنا، أي والله الآداب حتى وليس العلوم، والرجل ألقى، في مستهل الحوار، خطبة عصماء، لعن فيها سنسفيل كل من يحتكم إلى العلم ويخاصم كتاب الله، مؤكدا بعزم ما فيه: "إن كائنات الكواكب الأخرى لو كانت حية ذات عقول وأفكار، فإن رسالة نبينا، هي التي بلغتها، لأن الله يقول في كتابه: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن، والقرآن أثبت وجود كائنات أخرى، لأنه بين السماء والأرض، لا يوجد موضع قدم إلا فيه ملك بالإضافة إلى وجود الشياطين".
لم تكن (اللواء الإسلامي) تصدر عن جماعة دينية من اللواتي يوصمن بالتطرف والتخلف، بل كانت تصدر عن مؤسسة صحفية حكومية، بإشراف مباشر من اللجنة الدينية في الحزب الوطني، رمز الفساد الذي حكم مصر وعكمها ثلاثين عاما، والذي كان يمول الصحيفة لتكون لسانه الديني الرسمي في مواجهة تيارات الشعارات الإسلامية، وهو ما فعلته الصحيفة باقتدار، حين زايدت على كل الأفكار المتطرفة والفتاوى المتشددة التي تتبناها تلك التيارات. ولكن، مع التركيز الدائم على فضل طاعة الحاكم ولي الأمر، وتحريم المعارضة التي تؤدي إلى الفتنة والشقاق، والتذكير بسماحة الإسلام، كلما وقعت فتنة طائفية يعجز الأمن عن شكمها.
لم يكن فيما نشرته صحيفة الحزب الوطني، في ذلك الصدد، جديد يُفردها بالإدانة دون غيرها، فقد سبق للشيخ محمد متولي الشعراوي أشهر مشايخ مصر الرسميين والشعبيين، أن قال، في حلقات تفسيره للقرآن، إن الله تعالى سخر أهل الغرب، ليقوموا باكتشافات علمية من أجل المسلمين، معتبرا أن ما يقوم به الغرب في مجال حرب النجوم وكشوف الفضاء أمر عقيم لا يجدي، وهو رأي يطابق مجمل تصورات مشايخ السلفيين لطريقة إدارة العلاقة بين المسلمين والغرب، "الذي سخره الله لنا وما كنا له مقرنين"، وإن كان بعض المشايخ قد اختار تنغيص فرحة الغرب بفتوحاته الفضائية، بالقول إن القرآن سبقه إلى ذلك، بدليل قوله تعالى "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن"، ناقلين في تفسير تلك الآية حديثاً لإبن عباس عن وجود أنبياء لدى أهل السماوات والأرضين السبع، ومع أن البيهقي والسيوطي وابن كثير شككوا في سند الحديث ومتنه، إلا أن أولئك المشايخ فسروا الآية بحديث آخر منسوب إلى ابن عباس أيضا، يقول: "لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفّركم تكذيبكم بها"، معتبرين أنه "لم يشأ تفصيل ما لديه من علم عن سكان الفضاء، لكي لا يكفر العرب محدودي العلم وقتها".
يومها، ناقشت في صحيفة الدستور تلك الآراء، مع بعض المتخصصين من علماء الفلك، مشيرا إلى قصة خزعبلية، عاش عليها الإعلام المصري طويلا، تحكي عن رائد فضاء سمع صوت الأذان على الأرض، فأقسم أنه سمعه من قبل على سطح القمر، ودخل في دين الله مسبهلّا، وهو ما وصفه العالم الدكتور محمد جمال الدين الفندي بأنه "كلام غير صحيح علميا جعلت له الفرقعة الإعلامية صدى"، وأشرت يومها إلى دراسات كشفت تعرض بعض رواد الفضاء لاهتزازات نفسية وعصبية، لأتلقى، عقب النشر، ردا بليغا من قارئ غيور على دينه، قال فيه "ياولاد الكلب، الراجل سمع الأذان بودانه، بتكذبه ليه إنت وولاد الوسخة اللي بتسميهم علماء، الله يحرقكم يا كفرة"، وهو رد يحدثني قلبي أنه يحظى بخلود سؤال "هل سكان الفضاء مسلمون"، وأنني سأصادفه مجددا، ولكن، مع المزيد من الإبداع، الذي يقتضيه تطور الزمن.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.