كاريزما عمر الشريف

15 يوليو 2015

عمر الشريف: المال الذي جنيته من الفن "حرام"

+ الخط -

لم ألتق فتاة تقاربني سناً في مراهقتي إلا وصارحتني، همساً، بأن فارس أحلامها يشبه عمر الشريف، حين كنا لا نشاهد سوى فيلم عربي واحد، ننتظر موعد عرضه بلهفة على قناة إسرائيل الناطقة بالعربية مساء كل جمعة، وكان الفتى الأسمر هو فتى الأحلام الذي يعيش معنا، ونتأمل ملامحه وحركاته وسكناته ورصانته ووقاره، حتى وهو في  أوج حالات الحب والعشق، مع محبوبته التي غالباً ما تكون فاتن حمامة.

أما حين شاهدت، أنا ورفيقاتي، فيلم "إشاعة حب" الذي قام ببطولته أمام سعاد حسني فقد أصبحنا نبحث عن الشاب الخجول الذي يتصبب عرقاً، ويتلعثم في كلامه، مثل بطل الفيلم، حسين، ولا نلقي بالاً للشاب المرح الذي يتصنع خفة الظل ليضحك الفتيات. ولم تكن لقاءاتنا، بالطبع، مع الجنس الآخر حينها، إلا في إطار اللقاءات العائلية بأبناء الأعمام والعمات والأخوال والخالات، حيث كنا نجتمع في "حوش الدار"، لنتحدث ونتضاحك قبل أن يزجرنا الكبار، وينعتونا بـ "الفلتان الأخلاقي"، لكنهم لا يترددون في رسم مشاريع زواجنا، فابنة العم ستتزوج من ابن عمها لا محالة، حتى وهي تراه كالمهرج، ولا تجرؤ على البوح بأنها تريد فارساً في رجولة عمر الشريف الذي صارح ابنة عمه الصغيرة، سميحة، بحبه لها في تردد وتلعثم، لأنه كان يرى نفسه غريماً خاسراً أمام ابن خالتها الذي يشبه شباب هذه الأيام كثيراً، فهو يجيد الرقص والغناء، والفيلم الذي عرض في العام 1961 يؤكد حقيقة خلص إليها علماء النفس أن البنت فعلاً تضحك لنكات الشاب المرح، لكنها أبداً لا تفكر به زوجاً.

أحببنا واحترمنا أيضا قصة حبه مع فاتن حمامة، وتابعنا في المجلات الفنية التي كانت تصل إلى غزة، مثل الموعد ونورا والشبكة، قصة زواجه بسيدة الشاشة العربية، وكيف جمع بينهما الحب في أثناء تصوير أحد الأفلام، وهو أول ممثل وافقت الممثلة، الأشهر في ذلك الوقت، أن يقبلها على الشاشة، حسبما روت فاتن حمامة وهي تسترجع شريط ذكرياتها، والتقط عمر الشريف طرف الشريط بعد سنوات، ليؤكد أن فاتن حبه الأول والأخير. وعلى الرغم من إصابته بالزهايمر قبل ثلاث سنوات، وإخفاء ابنهما الوحيد طارق ذلك عن الإعلام، كان دائم السؤال عن فاتن، حتى بعد وفاتها، ما يؤكد نظريات علم النفس أن الإنسان، حين يصاب بالزهايمر، لا ينسى محطات مهمة أو فاصلة أو شخصيات رئيسية في حياته. وهذا ما حدث مع عمر الشريف، الفنان العالمي، الذي أحاطت به أجمل جميلات السينما والواقع، لكن قلبه لم يدق إلا لفاتن، وهي التي أحبت وتزوجت بعده، وجعلته صفحة مطوية في حياتها.

في السنوات الأخيرة من حياة النجم العالمي، كان يخرج بتصريحات مثيرة عن عمله في الفن، وصداقته المميزة مع فتى السينما المشاغب، أحمد رمزي، ومنها تصريحه أمام المذيع اللامع طارق حبيب أن المال الذي جناه من الفن يعتبره مالاً "حراماً"، لأنه لم يتعب كثيراً مقابل الحصول عليه. ولذلك، ينفقه ببذخ، ويرى أن من حوله من الفنيين والعمال في الأستوديو أحق به منه. وربما يكون هذا المبدأ الذي عاش به عمر، منذ بدايته الفنية، أحد الأسباب التي أوصلته إلى العالمية، لأنه كان يدقق في اختيار أدواره، ولا يساوم على أجره، أو يتفاخر بأنه النجم الأعلى أجراً، مثلما يحدث مع نجوم السينما الحاليين، ما جعل من عمر الشريف الممثل الوحيد الذي كانت تراه الحسناوات الأجنبيات يمثل الشرق، بسحره وغموضه، فمصر لا تعني سوى عمر الشريف، فقد كانت له كاريزما خاصة، جعلت إحدى اليونانيات في أحد أفلام عادل إمام تطارده في ردهات الفندق، وهي تصرخ باسم عمر الشريف، فمن وجهة نظرها ترى أن كل فارس مصري ستلتقي به لن يكون إلا هذه الخلطة السحرية التي لن تتكرر على الساحة السينمائية.

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.