روايات خاصة بالحمير

31 مايو 2015
+ الخط -
يوشك النظام الديكتاتوري الذي أسسه حافظ الأسد، اليومَ، على السقوط. مع ذلك، لم يسعَ إلى تغيير نهجه الإعلامي قيدَ أنملة، أو شروى نَقير.

فعلى أثر هروب فلول النظام من مشفى جسر الشغور، نشرتْ إحدى الصفحات الموالية له خبراً يتلخّصُ في أن الجندي الواحدَ من هؤلاء الأبطال الصناديد كان يحمل، في أثناء الانسحاب التكتيكي، البندقيةَ بيد، وطفلاً بريئاً كان الإرهابيون يريدون قتلَه باليد الأخرى، ومنهم من استشهد في الطريق، وهو يحتضن الطفل ليقيه من الرصاص الغادر.

كان لجسر الشغور، منذ البدايات الأولى للثورة، حصةٌ كبيرة في تلفيقات الإعلام الأسدي. والحقيقة أن أهالي الجسر عندما علموا أن الجيش العربي السوري قادم لاحتلال مدينتهم هربوا، زرافات ووحداناً، نحو الأراضي التركية، ليقينهم بأنه جيش مجرم ينشر الاعتقال والتعذيب والقتل والدمار حيثما يحل، ثم يبدأ بـ(التعفيش)، أي سرقة العفش من البيوت. 

ولكن، وبمجرد ما تمكّن الجيش من دخول المدينة، انبرى الإعلام الرسمي ليقول إنه اقتحمها ليعيد إليها الأمان والاطمئنان، بعدما عاثت فيها المجموعات الإرهابية فساداً. ومضت، بعد ذلك، سنة أو أكثر، وفي كل يوم يُذاعُ، في التلفزيون الرسمي، خبرٌ رئيسي عن عودة عدد من المواطنين الجسريين إلى ديارهم التي هَجَّرَتْهم منها العصابات الإجرامية المسلحة، وأعاد إليها الجيش الباسل الأمن والأمان.    

إن تحويل الأخبار اليومية للثورات والحروب والمعارك إلى جُمَل تُصاغ على نحو إنشائي، تحاولُ استجداءَ العواطف السطحية للبشر، يكاد أن يكون نهجاً مشتركاً لدى كل الأنظمة الديكتاتورية، أو الجهات التي تعتدي على الشعوب، لأجل تحقيق أجندات تسلّطية، أو توسعية.. بدليل أن حزب الله، الذي يقوم على أساس ديني، مذهبي، ويعمل لأجندة أجنبية، ويعادي الأديان والمذاهب الأخرى، ما انفك يصف معارضي النظام السوري بأنهم (تكفيريون). 

على أثر بدء غارات "عاصفة الحزم" الجوية على مواقع الحوثيين في اليمن، انتشر يوتيوب مُسَلٍّ لرجل يبدو أنه محلّل استراتيجي. كان يشرح للناس أن طائرات مدنية إيرانية محبة للخير والسلام والعدل، كانت تحلّق في السماء، وتلقي مساعدات غذائية وطبية للمواطنين اليمنيين. وفجأة؛ جاءت طائراتُ التحالف العربي المجرمة، واختبأت كلُّ واحدة منها (تحت) الطائرة المدنية الإغاثية، وبدأت تلقي بحمم الموت والدمار والكراهية على الشعب اليمني الذي كان يفتح يديه للمساعدات الإنسانية النبيلة.

ليس إعلام الأنظمة الديكتاتورية وحده الذي يقدم للمواطنين روايات ساذجة. ففي شهر أغسطس/ آب من سنة 2013، عرفَ السوريون، والعالمُ أجمع، أن طائرات النظام السوري ضربت الغوطة الشرقية بالكيماوي، وقدم النظام اعترافاً ضمنياً بالجريمة، عندما بادر إلى تسليم ترسانته الكيماوية للمجتمع الدولي، مقابل أن تعفو عنه أميركا، وتُبقي على بشار الأسد جاثماً على كرسي الحكم مدة أطول... ومع ذلك، صرّح المُعارض السوري، هيثم منّاع، الذي يعمل الآن على تشكيل جسم سياسي معارض، أن "جبهة النصرة" هي التي أقدمت على قصف الغوطة الشرقية بالكيماوي.

بيد أن مستشارة الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، بثينة شعبان، تعرف أن الجماعات الجهادية كلها تنتمي إلى الطائفة السنية، وكلها تَدَّعي أنها تناصر أهل السنّة؛ فمن غير المعقول أن تقتلهم، لا بالكيماوي ولا بغيره، فأرادت أن تقدم رواية معقولة أكثر؛ فقالت إن الإرهابيين التكفيريين الوهابيين ذهبوا إلى قرى الساحل، وخطفوا أربعمئة طفل من أبناء إخوتنا العلويين، وعبأوهم في حافلات، وعبروا بهم كل الحواجز التابعة للنظام، وللإرهابيين، دواليك، حتى وصلوا إلى الغوطة، وهنالك وزّعوهم على البيوت، فلما أيقنوا أنهم صاروا تحت الضرب، أقلعت الطائرات الإرهابية التكفيرية من مكامنها، وأغارت على الغوطة وقتلتهم، بالكيماوي، وقتلت معهم 1100 مواطن من الأهالي!

وهكذا؛ يمكن القول إن تصديق إعلام الأنظمة الديكتاتورية المنهزمة يحتاج إلى غباء كثيف، يصل إلى ‏مستوى غباء الحمير.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...