عرق السيادية

03 مايو 2015

حسين سالم: المخابرات المصرية تعمل في البيزنس

+ الخط -
طبعاً، كانت الدنيا ستنشال وتنحط، لو خرج على الملأ سياسي أو كاتب، ليتحدث عن نشاط المخابرات العامة في البيزنس، حتى لو كان من سُكّان الحظيرة السيسية، وحتى لو كان كلامه مجرد تساؤلات مهذبة يناشد جناب الخديوي السيسي المعظّم أن يجيب عنها. لكن، حين يتحدث عن ذلك النشاط ضابط المخابرات السابق، حسين سالم، صديق حسني مبارك الحميم، يكون من البديهي أن يعم الطناش أرجاء الأذرع التلفزيونية، تماماً مثلما حصل من قبل، حين تحدث السيسي في إحدى تسريباته عن "عرق الجيش"، وهي عبارة لو نطق بها مواطن علناً، لحوكم عسكرياً بتهمة إهانة القوات المسلحة.
في حواره مع صحيفة "المصري اليوم"، يوجه السيادي العريق، حسين سالم، رسائل مبطنة، تعبر عن نفاد صبره تجاه ما يلقاه من تجاهل، لعروض "التنصيص" التي يرسلها منذ فترة، والتي لا تجد آذاناً صاغية، إما لأن هناك خلافاً حول حصص العمولات، أو لأن هناك رغبة في أن يهز الرجل عرضه قليلاً أو كثيراً، أو لأن هناك "صاحب مصلحة" ليس راضياً عن إعادة الرجل بعض أمواله إلى مصر، ولعله يفضل أن يموت العجوز محتفظاً بكل ثروته، ليسهل تقسيمها بعد ذلك على أصحاب النصيب، أو ربما لأن هناك سبباً أعمق، أو أتفه، من كل ذلك، يمكن تلخيصه في العبارة السيادية الشهيرة: "هي دي مصر يا عبلة".
بصريح العبارة، قال حسين سالم للصحفية، فتحية الدخاخني، إن كل ما قام به من بيزنس متعدد الأنشطة ملياري الأرباح، كان بتوجيهات من المخابرات العامة، وبتنسيق كامل معها، مؤكداً على معلومة تم تغييبها عن المواطن، في أغلب وسائل الإعلام التي تابعت وقائع قضية تصدير الغاز لإسرائيل، وهي أنه كان يلعب دور الواجهة فقط، في الشركة المملوكة للمخابرات، التي قال سالم إنها تتولى تصدير الغاز "كورقة للضغط على إسرائيل وتدبير نفقات المخابرات"، من دون أن يذكر نموذجاً لضغطاية واحدة مارستها مصر على إسرائيل، حتى في ما يخص مصالح مصر الاقتصادية، من دون أن نشير إلى الدم الفلسطيني، الذي نعلم كيف تختار مصر الرسمية، دائما، الفرجة على إراقته من دون حراك.
يحاول حسين سالم فرملة تصريحاته، بالإشارة إلى أن أجهزة المخابرات العالمية تعمل في البيزنس، لتمويل عملياتها من موارده بشكل سري، وهي معلومة يوجهها ليزيط بها "المواطنون الشرفاء"، في وجه كل من يسأل عن أوجه إنفاق أرباح أنشطة البيزنس المخابراتية، وعلى رأسها عوائد تصدير الغاز التي وصفها سالم بأنها مجزية، وليست رخيصة، متناسياً أن أجهزة المخابرات الأميركية والفرنسية التي أشار تحديداً إلى أنشطتها في البيزنس، تخضع لرقابة مكثفة من لجان نيابية تمارس عملها سراً، لكنها تضمن منع أجهزتها السيادية، من التصرف في أموال الشعب من دون رقيب، على عكس ما يحدث في مصر المنكوبة، حيث يعجز الجهاز المركزي للمحاسبات عن مراقبة أنشطة نادي القضاة ووزارة الداخلية التي يفترض أنها جهاز مدني، لا يمارس أنشطة استخباراتية سرية.
حرص حسين سالم على استغلال الحوار، للإفلات من تهمة التربح غير المشروع، من عمليات شحن أسلحة المعونة العسكرية الأميركية لمصر، وهي التهمة التي ظلت تطارده منذ أثارها الصحفي الأميركي، بوب وودوورد، عام 1987 في كتابه الشهير (الحجاب)، لكن سالم ورط نفسه، وورط معه رئيس الوزراء الراحل كمال حسن علي، حين روى حواراً دار بينهما، عن مبلغ المعونة العسكرية الذي يجب أن تطالب مصر به في مفاوضات كامب ديفيد، وهو حوار يشبه في منطقه الفصال الذي يدور حول "فرشة غيارات في العتبة"، حيث قال كمال لحسين إن الرئيس الأميركي، كارتر، قرر منح مصر معونة قيمتها 500 مليون دولار، "فقلت له: إنت تبيع مصر وقضية السلام بـ 500 مليون، عايزين مليار، وعندما زاد كارتر المبلغ، قلت له: لا تقترب من المبلغ، وادفعه داون بيمينت، فأنا تاجر".
يحاول حسين سالم تبرير ما حصل عليه من عمولات ضخمة مقابل شحن الأسلحة الأميركية لمصر، بأنه بنى مساكن للقوات المسلحة بأسعار رخيصة "وفاء لمصر ورجالها"، معتبرا أن تضخم ثروته لم يأت "إلا مع زيادة ثمن الأراضي بمرور الزمن"، وهو تبرير أقبح من ذنب، يقوله بمنتهى التبجح، لأنه يعلم أن أحدا لن يجرؤ على فتح ملفات ثروته، ليحاكم كل من ساعدوه في تضخم ثروته، زاعمين قيامهم بالحفاظ على عرق الجيش والأجهزة السيادية، مع أن الحكاية وما فيها ليست إلا رغبتهم في ضمان مستقبل أفضل للأنجال والأحفاد، ليعيشوا حياة خالية من العرق والدموع، كالتي يقاسيها ملايين المصريين، المنكوبين بمرض التهليل والتفويض لكل من يأكلون عرقهم، على عينك يا تاجر.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.