الصراع في اليمن

23 ابريل 2015

في أحد شوارع صنعاء (13سبتمبر/2013/الأناضول)

+ الخط -

ككل الصراعات، يجري الميل إلى تحديد الموقف، وبالتالي، استنساب ما نعتقد أنه "ثوري"، أو "معاد للإمبريالية"، ليصبح الموقف محدداً مع طرف ضد آخر. في العقل الرائج، يسبق تحديد الموقف تحليل الوضع، وفهم طبيعة القوى والصراعات، حيث يجري التحديد السطحي (الشلف كما كان يسميه ياسين الحافظ) للصراعات، ومن ثم التحديد السريع للمواقف.

استثار التدخل السعودي الخليجي في اليمن هذا الميل. لهذا حكم الموقف المضاد للسعودية، أو الملحق بإيران، تحديد الاصطفافات. ولم يجرِ فهم ما يجري حقيقة، لا من حيث الصراعات الإقليمية والدولية التي تحدث، ولا طبيعة الصراع في اليمن. فقد أصبح التدخل في اليمن من "الممانعة" اعتداء على اليمن، بينما لا يجري اعتبار كل التدخل الإيراني في العراق وسورية، ووفق تصريحات القادة الإيرانيين، اعتداء على العراق وسورية، وحتى اليمن.

لكي يكون الموقف الذي أشير إليه واضحاً، كتبت أن ما يجري صراع إقليمي بين دولٍ، يريد كل منها السيطرة، السعودية وإيران، لكنهما من "الطبيعة الطبقية" والنظام السياسي نفسيهما. وإذا كانت السعودية تابعة في إطار النمط الرأسمالي العالمي، فإن إيران تابعة كذلك، على الرغم من ميل السلطة فيها إلى تحسين موقعها في سلّم التبعية. وهما، في كل الأحوال، نظم ريعية. بالتالي، لماذا يجب أن نكون ضد السعودية، ومع إيران؟ أو العكس، مع السعودية وضد إيران؟ هل يجب أن ننحكم لهذه الثنائية، وأن تصبح هي التي تفرض علينا تحديد الموقف مع هذا أو ذاك؟

العقل الأصولي (وهنا الأصولي حتى الذي يحكم اليسار) يفرض أن نكون هنا أو هناك، هناك أو هنا. ولا يستطيع التمييز بين التحديد المبدئي لطبيعة القوى والدول، والموقف من صراعاتها، حيث يفرض الواقع حين نحدد موقفاً مضاداً لقوى متعددة أن نكون ضد صراعاتها، وأن نحاول فهم أسبابها، والنتائج الممكنة لها، وبالتالي، هل من فائدة منها للقوى التي تريد التغيير الحقيقي. لو انطلق لينين من التمييز بين الرأسماليات قبيل الحرب العالمية الأولى، لكان مع بورجوازيته، كما فعلت الأممية الثانية التي قال إنها إزاء هذا الموقف قد أعلنت إفلاسها.

في هذا الأمر، لا يجوز أن نغض النظر عن تدخل، ونرفض آخر، نتيجة توهم اختلافٍ هو في الواقع شكلي. فإيران تعلن أنها تمدّ وجودها من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط، وتمنع عواصم من السقوط (لمصلحة شعوبها)، وأنها فعلياً تقاتل وتفرض إرادتها في دمشق وبغداد، وتريد فعل ذلك في اليمن. وبالتالي، إن التدخل السعودي هو من أجل تحقيق التوازن الإقليمي، وضمان سيطرة سعودية مقابل السيطرة الإيرانية، وليس من أجل فرض تغيير في اليمن يحقق مطالب الشعب. على رغم من أن هذا التدخل يمكن أن يفيد، بشكل ما، في تحقيق تغيير في اليمن، على الرغم من أن السعودية تريد فرض الأحزاب القديمة نفسها وتحت سيطرتها.

هل نقبل سيطرة إيران أم سيطرة السعودية؟ لا هذه ولا تلك. الأمر يتعلق بفهم طبيعة الصراع بين الطرفين، وماذا يريد كل طرف، ومن ثم هل نستطيع الإفادة من هذا الصراع، لتحقيق تطور في الحراك الشعبي؟

لسنا مضطرين أن نكون هنا أو هناك. هذا منطق أصولي يحكمنا، ما دمنا لم نتجاوز القرون الوسطى، وهو حاكم لدى الأصوليين ولدى اليسار، بالضبط، لأن هذا اليسار لم يصبح يساراً، بل ظل أصولياً بـ "طربوش" يساري. ما يجري هو "صراع موضوعي" بين قوى من النمط نفسه، على الرغم من وجود الخلافات بينها، ومن تجاوز العقل أن ننطلق من أن علينا أن نكون هنا أو هناك. نحن مع الشعب الذي يريد التغيير، ولسنا معنيين بدخول صراعات القوى التي تريد نهب الشعب واستغلاله. هكذا ببساطة.