شواطئ أم شوارع عراة؟

31 مارس 2015

)

+ الخط -

أفادت مصادر موثوقة بأن شواطئ العراة الأجنبية منحت الساسة العرب عضوية مجانية، تسمح لهم بدخولها ساعة يشاؤون، فضلاً عن حرية استخدام المرافق برمتها، من دون حاجة لإبراز أي وثائق إثبات شخصية، لأن شخصياتهم مثبتة في عوراتهم المكشوفة. وأضافت أن المقصود بالساسة العرب أنظمة الحكم والمعارضة، على قاعدة أن لا فرق بين الطرفين، من حيث الرغبة في "التعري" وإظهار العورات من دون حياء. ونقلت المصادر عن شهود عيان قولهم إن طلائع الساسة العرب لم يكذبوا خبراً، وراحوا يتقاطرون زرافاتٍ إلى تلك الشواطئ، حتى إنهم، ومن فرط غبطتهم بالدعوة، حضروا عراة من بلدانهم، أعني بـ"ملابس الشغل".

ووسط ذهول المتابعين من هذا السلوك الذي يناقض ثياب "العفة" التي كان يتستر خلفها أولئك الساسة أمام شعوبهم، وهم يدعون إلى ضرورة الاحتشام وصون العورات، قال خبراء ومختصون في الشأن العربي إن مثل هذا السلوك لم يكن مفاجئاً من شخصيات كانت تتجه، فعلياً، إلى مرحلة العري التام منذ عقود. وأعاد الخبراء إلى الأذهان يوم خلع الساسة العرب معاطفهم، إبّان فضيحة نكسة العام 1948، بتخليهم عن نصف فلسطين هدية مجانية للمحتل الذي جاء من أقصى المعمورة، على الرغم من أنهم كانوا يدركون جيداً حجم المؤامرة التي يتعرض لها ذلك الجزء من جسدهم الذي يزعمون قدسيته. وأشار الخبراء أنفسهم إلى أن الساسة العرب لم يتورعوا عن خلع قمصانهم خلال نكسة العام 1967، للأسباب نفسها، على الرغم من تبجّحهم بـ"المدّ القومي"، و"لاءات الخرطوم"، التي لم تكن غير محاولات بائسة لذر الرماد في عيون شعوبهم المكسورة، جراء الهزائم المتلاحقة.

وأما البناطيل، فقد خلعها العرب إبان حربي الخليج، حين تآمر بعضهم على بعض، واستدعوا الأجنبي لحل خلافاتهم، مقابل منحه حق المواطنة من الدرجة الأولى، والسماح له بنهب خيراتهم إلى ما بعد يوم القيامة بكثير. وزعم الخبراء أن الملابس الداخلية للساسة العرب سقطت تلقائياً، إثر معاهدات السلام مع العدو الصهيوني التي راح هؤلاء الساسة يتسولونها من مناحيم بيغن وشارون، مع كل ما رافق ذلك من تجرّد و"تعرٍّ" من الكرامة، وتسليم الأعناق للمحتل، من دون أن يرف لهم جفن من حياء أمام شعوبهم المغرّر بها بشعاراتٍ لم تعد تقبل بها حاويات القمامة. وهكذا أصبح هؤلاء الساسة عراة فعلياً في شوارع العار العربية، لأن العري الحقيقي عري الروح أمام الكبت، وعري الكرامة أمام السوط، وعري المبادئ تحت بساطير العسكر، وعري الأوطان أمام جيوش التخلّف الحضاري.

أما عن تعري المعارضة العربية، فذلك طراز آخر من العري السريع، القابل للتحقق عند أدنى المغريات، وما العري "اليساري" و"القومي" لمعارضات عربية، كنا نعتقد أنها الأشد صلابة في وجه الأنظمة، إلا شاهد يسير على سرعة التفريط بالمعتقدات، على غرار صدمتنا باليسار المصري الذي تجرد من ثياب فلسفاته ومعتقداته، وقبل على نفسه أن يتحالف مع عسكر القمع ضد رفاق السجن والهدف، أملاً في الحصول على كرسي في البرلمان، ليجد نفسه، بعد أن تحقق للعسكر ما أرادوا، جالساً على كرسي "الحلاق" الذي حلق له على "الصفر" المكعب. ووفق الخبراء، تطابقت تجربة اليسار السوري مع نظيره المصري، حين آثر الأول أن يتحالف ضد ثورة الربيع، ويمنح للجلاد مسوّغات الفتك بالبراميل المتفجرة والكيماوي ضد أطفال الغوطة ودوما وحلب.

في المحصّلة، منحت هذه المعارضات، هي الأخرى، بطاقات دخول عاجلة لشواطئ العراة، تضاهي عجلة تجردهم من مبادئهم الثورية كلها.

وفي تحوّل مباغت، اقترح المسؤولون عن شواطئ العراة، على ضيوفهم من الساسة العرب، بأنظمتهم ومعارضاتهم معاً، وعلى قاعدة أن العري العربي بات تحصيل حاصل، أن تتحول الشوارع العربية كلها إلى شوارع للعراة.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.