كلاشينكوف في استوديو الأخبار

22 فبراير 2015
+ الخط -

ثمّة أناس يمتلكون من الجرأة والجسارة ما يشيبُ له شَعْرُ الولدان. ففي ظهيرة ذات يوم من أواخر الثمانينات، حينما كان الجنرال حافظ الأسد قد تحول إلى شخصية عنكبوتية رهيبة، مَنْ يقتربْ منها يُصْعَقْ ويُقْتَلْ، ولا يجرؤ أخو أخته أن يطالب بدمه؛ وكان الرفاق في فروع المخابرات وحزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية قد أجبروا ما ينوف عن ربع مليون مواطن من الأرياف على المجيء إلى مدينة إدلب، لينفذوا مسيرة تأييد (عفوية) للقائد!. وبينما كانت هذه المُسَيَّرة الجماهيرية الحاشدة تعبر الشارعَ العريض الصاعد من ساحة البازار شرقاً نحو حي الضَبّيط غرباً، إذ اعترض أحدُ الأشخاص مقدمة المسيرة، وصاح صوتاً رهيباً، جعل الإخوةَ المُسَيَّرين يتوقفون، ويسود فيهم صمتٌ يتخلله صوت تلقيم البواريد الروسية من حراس المُسَيَّرة. قال الرجل:
- علي الطلاق بالتلاتة، أنا أقول كلمتي ولا أخاف من أحد. أنا مع القائد حافظ الأسد، ومن لم يعجبه هذا فليضرب رأسه بأقرب حائط.
هذا النوع من الجسارة الاستثنائية، برأيي المتواضع، ليس شأناً سورياً خالصاً بقدر ما هو شأن نضالي عام، بمعنى أنك تجد مثله لدى مختلف الدول التي يقودها المناضلون الثوريون الشرفاء، بدليل أن أحد مذيعي الفضائية الليبية، في مطلع الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي، وبينما هو يُقَدّمُ نشرة الأخبار، ويؤكد على التفاف الجماهير حول القائد؛ فاجأ جمهورَ المشاهدين بإشهار بارودة روسية كلاشينكوف، رافعاً فوهتها إلى الأعلى بعلامة الانتصار.
والحقيقة أن رَفْعَ السلاح في الهواء من الأمور التي تميزنا، نحن العرب، عن غيرنا من شعوب العالم، فذات مرة؛ غاب الرفيق المناضل صدام حسين عن شاشات الإعلام فترة؛ وهو الذي لم يكن يغيب عنها قطُّ... فوجدها بعضُهم فرصةً نادرةً لتعاطي اللت والعجن والكلام الفارغ، وبدأوا يشيعون بين الناس أن سيادته مريض، ومشلول، وأنه لم يعد قادراً على قيادة سفينة الأمة العربية التي تمتد من المحيط إلى الخليج في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها.
ولأجل دحض هذه المزاعم، وتفنيدها؛ ظهر سيادتُه وهو يحمل الكلاشينكوف بيد واحدة، وأطلق منها رشة في الهواء، فانبهرت الجماهير العربية من شدة الإعجاب، وصاروا يقولون: 
- والله إن قائداً بهذه المواصفات لا يمكن التفريط به مهما جارت الأيام.
الحقيقة أن عملية إشهار السلاح في وسائل الإعلام العربية أمرٌ ذو شجون، ففي وقت مبكر من عمر الثورة السورية، دُعي المحلل السياسي الرفيق المناضل، الأستاذ شريف شحادة، إلى استوديو "الجزيرة" في الدوحة، ليكون ضيفاً على برنامج الاتجاه المعاكس، فلم يشأ أن يذهب إلى هناك مثل صبي الحَمَّام (يَدْ من ورا ويَدْ من قدام)، بل أخذ معه في الخُرْج صورة للقائد بشار الأسد، وعَلَمَاً للجمهورية العربية السورية، وحينما شارفت الحلقة على الانتهاء أشهر الصورةَ في وجه الإخوة المشاهدين، وقال إن هذا الدكتور العظيم هو الذي سيرفع العلم العربي السوري، وأتبع ذلك بإشهار العلم  في سماء الجولان المحتل. ولو لم يكن وقت البرنامج قد انتهى، لشَرَحَ لنا، بالتفصيل الممل، الأسبابَ التي جعلت الدكتور بشاراً الأسد، وأباه حافظاً من قبله، يتقاعسان عن تحرير الجولان المحتل منذ حزيران/ يونيو من عام 1967، وكيف أن الظروف قد نضجت الآن، ولا سيما بعد أن كشرتْ الصهيونية العالمية، ومن خلفها الإمبرياليةُ العالميةُ، والرجعيةُ العربية، وبدأتا بتنفيذ المؤامرة الكونية التي تتلخص في إقناع الشعب السوري بضرورة المطالبة بالحرية، مع أن الشعب السوري يعلم، والكل يعلم، أن الحرية تضر بالشعوب بشكل عام، والشعب السوري بشكل خاص.
الإعلام والسلاح. إنَّ هذا، في الحقيقة، هو التلخيص الحقيقي لشعار ‏‏"الكلمة الرصاصة" الذي اخترعه إعلام بيت الأسد وبيت التكريتي وبيت ‏القذافي الأشاوس.  ‏

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...