أخلاق بالأمر المباشر

30 نوفمبر 2015
+ الخط -
اتساقاً مع دور "الأخ الأكبر" الذي يلعبه بعض أولي الأمر في مصر، ويزيّنها لهم بعض من الساسة والإعلاميين، اقترح أعضاء في "مجلس علماء مصر" تشكيل لجنة تستهدف "تنمية الأخلاق والضمير". وهذا المجلس كيان استشاري، يضم عدداً من الخبراء التكنوقراط، تغلب على عضويته التخصصات التطبيقية، مثل الطب والهندسة والكيمياء. وليس من الواضح ما إذا كانت فكرة "تنمية الأخلاق والضمير" مُقترحة بالفعل، وبشكل عفوي من بعض أعضاء ذلك المجلس، أم أن الفكرة جاءت صدى لتوجه سلطوي وصائي، توالت مؤشراته في العامين الماضيين. في كل الأحوال، الفكرة جديرة بالاستنكار، وهذا لا يقلل، بالمرة، من احتمالات تنفيذها.
بغض النظر عن التقييم المبدئي لفرض الأخلاق على الناس بقرار، مجرد طرح الفكرة والإعلان عنها رسمياً يمثل اعترافاً صريحاً بأن المجتمع المصري يعاني أزمة أخلاق وضمير. وبالتالي، كان على أصحاب الاقتراح العبقري، قبل طرح الحل، البحث عن أسباب تردّي الأخلاق، وتحديد المسؤولين عن إماتة الضمير أو إزاحته. هذا إن كانت هناك رغبة صادقة في النهوض بقيم المصريين وأخلاقهم.
هناك مؤشرات تعكس نقص الأخلاق أو غيابها عن المجتمع، مثل ارتفاع معدلات الجرائم، خصوصاً المرتبطة بمسائل اجتماعية وأخلاقية، مثل جرائم الشرف والخلافات الأسرية. بالإضافة إلى تزايد مؤشرات التفكك المجتمعي، مثل معدلات الطلاق والقضايا الأسرية أمام المحاكم، والاعتداءات والنزاعات داخل الأسرة الواحدة أو القرية أو الكيان المجتمعي الصغير.
لا أظن أن دعاة "تنمية الأخلاق والضمير" رصدوا المؤشرات، أو درسوا الأسباب، لأن السبب الأول في تدهور قيم أي مجتمع وثقافته وأخلاقه غياب الوازع العقيدي لديه، أي الدين (أياً كانت الديانة). هذا ما يقوله علم الاجتماع وعلم النفس ودراسات السلوك الجمعي. وما ينقص، بغياب الدين أو تحييده وتقويضه، لا يزيد بقرار أو ينمو بلجنة. وبعيداً عن الدين، اختفت القيم الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية من المحتوى الإعلامي والتعليمي الرسمي، بينما صار عادياً انتشار البذاءة والابتذال والإسفاف في المجال العام، خصوصاً في الفن ووسائل الإعلام.
وهنا وقفة لا بد منها، فهذه النوعية من "الأخلاق" أو الممارسات، إن كانت سبباً في تخفيض سقف القيم واتباع سلوك جماهيري غير أخلاقي، فهي، في الوقت نفسه، انعكاس لتدهورٍ في الأخلاق وانعدامٍ للضمير لدى من يملك القرار. وهنا، لا يقف التقصير عند مسؤولٍ يسبّ، أو إعلاميّ يحرّض، أو فنانة تتعرّى. تقع المسؤولية الأصلية على من يسمح لهم بالوجود بل والازدهار والانتشار. في السنوات الأخيرة لعهد حسني مبارك، اعتدى رئيس جامعة على أحد الطلاب، وبعد شهور أصبح وزيراً للتعليم. ثم بعد "3 يوليو" تم توزيره مجدداً!. استمر تغلغل الأمن في إدارة وتسيير أمور دولة مبارك وتسييرها ثلاثة عقود، لكن ثورة يناير اندلعت، عندما تحوّل التغلغل إلى توحش وفجور في القمع، وصار التعذيب اعتيادياً، والقتل مجانياً. أما وقد عادت الشرطة إلى "أخلاقها"، وعادت آليات العمل السياسي ومعاييره، وعاد تولي المناصب كما كان في عهد مبارك، فذلك يعني، بوضوح، أن السلطة، بأشخاصها ومؤسساتها، غير مشمولة بالدعوة إلى تنمية الأخلاق وإحياء الضمير. وأن يؤول الأمر إلى حالة وصاية أخلاقية على المجتمع. وكما هو حال الوصاية السياسية السائدة، حيث كل معترض خائن، وكل منتقد عميل، ستعد مطالبة المواطن بحقوقه دناءة وعملاً لا أخلاقياً. وسيصبح البحث عن رؤى إدارة الدولة وسياساتها، أو التساؤل عن محاربة الفساد، رجساً من عمل الشيطان. أما المطالبة بأن تخلع السلطة عباءة "الأخ الأكبر"، وأن يراجع دعاة "تنمية الأخلاق والضمير" ضمائرهم وسلطتهم وإعلامهم، أخلاقياً وسياسياً، فذلك عندئذ هو الكفر البواح.
دلالات
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.