عن صراع العالم والجنرال

15 يونيو 2014
+ الخط -
كثيراً ما ثارت أسئلة عن رد الفعل الأميركي، إذا رفض الفريق أول، آنذاك، عبد الفتاح السيسي، الطلب الأميركي منه، بالانقلاب على أول رئيس إسلامي منتخب ديمقراطياً في مصر. هل كان توقف الأسطول السادس الأميركي، أمام شواطئ الإسكندرية، في أثناء  بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013 وبعده، من أجل مؤازرة الانقلاب وقادته، أم من أجل مؤازرة الإخوان المسلمين، كما تدعي دوائر إعلامية عرفت بقربها من أميركا وقادة الانقلاب.
لنقل إنه في علم السياسة، تكون العبرة دائما بالنتائج، وليست بالإجراءات، والنتائج تقول: إن الانقلاب يمضي في صنع شرعية تحكم بقوة الرصاص والإعلام العسكري الموجه. في المقابل، هناك، أيضاً، شرعية ديمقراطية، لا تحكم، ولا زالت، بعد مرور نحو عام، صامدة ويافعة معتمدة على حالة سخط شعبي حقيقي، قد لا تمثل التظاهرات سوى 10% منه، ولا يظهر هذا السخط، إلا إذا وجد مناخاً آمناً، تفتقده مصر الآن، يتيح لكل المعارضين الإعلان عن أنفسهم. بينما شكلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة تربة خصبة له، ليظهر من خلالها، فقاطعها الشعب، معبراً عن رفضه لها، على الرغم من حملات الترويع بالغرامات المالية للمقاطعين.
إذن؛ البوارج الأميركية التي وقفت على سواحل الإسكندرية، إنما جاءت لمؤازرة قادة الانقلاب، وليس العكس، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تعلم أن الغالبية الساحقة من المصريين ضد الانقلاب، أو أنهم صوتوا في السابق بنسبة تزيد عن 52% لمحمد مرسي، كما أن هذه البوارج لم تقدم أي شيء لمنع الانقلاب. فضلاً عن أن التبعية المصرية لأميركا لا تمثلها المساعدات فقط، فهي لا تمثل إلا النزر اليسير، لأن معالم تلك التبعية، وصلت حد إقامة قواعد عسكرية أميركية في مصر، وهو ما أكده الدكتور علي الدين هلال، وزير الشباب في عهد حسني مبارك. كما أن المركز الطبي العالمي، الذي كان يتشافى فيه مبارك، بنته القوات الأمريكية لنقل جرحاها إليه، في أثناء غزوها العراق عام 2003، وحينما تسنى لها احتلاله تنازلت عنه لمصر. وكلنا نتذكر، أن وثائق "ويكيليكس" كشفت أن آلاف العراقيين ساقتهم القوات الأميركية إلى "قواعدها" في مصر، واليونان، وألمانيا، لنزع معلومات واعترافات منهم عن المقاومة العراقية، وراحت تظاهرات الاحتجاج تجوب ألمانيا واليونان، بل وأميركا نفسها، لكن لا حس ولا خبر في مصر.
إزاء ذلك، صار واضحاً أن رفض الانقلاب كان يعني هجمة أميركية لإنجاز الأمر وتحقيقه بيد الغرب نفسه، وأن البوارج الأميركية كانت مجرد نقاط إغاثة، في حال حدوث تطورات عسكرية، أو شعبية غير مرغوبة أميركياً، هذا أن الإمبراطورية الكونية لعصرنا تفضل عدم التورط العسكري، إن كانت هناك أساليب أكثر نعومة، وأقل تكلفة، وأجود ثماراً، لبسط الهيمنة المرادة على أرض ومصائر شعوب الأرض. هذا هو الشكل الذي يستعمر الغرب عالمنا العربي عبره، فالإسلاميون لا يحكمون، وإذا وصلوا الى السلطة سيحدث ضدهم انقلاب، وينكل بهم كما حدث في مصر والجزائر. والقوميون لن يحكموا، وإذا حكموا سيقتلون، هذا ما تقوله القاعدة الاستعمارية الغربية، بأن الأغلبية ممنوعة من الحكم في بلادنا.
سيد أمين
سيد أمين
سيد أمين
كاتب ومحلل سياسي عربي مصري، يؤمن بأنّ العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة. هو أيضا باحث صدرت له دراسات "أمريكا الميكيافيلية" و"رؤى في الوطن والوطنية".. وشاعر صدرت له "أشعار مارقة" و"أشعار جديدة"، وروائي صدرت له "السحت" والمراهن" و"زمن السقوط".
سيد أمين