السيسي خطيباً

06 أكتوبر 2014
+ الخط -

تمثل الخطابات والكلمات التي يلقيها الزعماء والقادة أحد المفاتيح الأساسية لفهم عقلية المتحدث، بل وطبيعة شخصيته، خصوصاً إذا اتسع نطاق التحليل، ليشمل لغة الجسد، مثل إشارات الأصابع وحركات اليد واتجاه نظرة الأعين وثباتها. وكلما تراجع مستوى التعليم والوعي لدى الجمهور، زادت أهمية الخطاب لجهة نجاح السياسي، أو فشله في الإقناع والقيادة. وبالتالي، تمثل ملكة الخطابة ومهارات التواصل ركناً جوهرياً من مقومات السياسي الناجح في عالمنا العربي. لهذا، يلح الإعلام المصري بشدة على أن السيسي زعيم وقائد تاريخي، ويصر سحرة فرعون على منحه صفات وسجايا استثنائية، للتغطية على غياب الرؤية ومحدودية الإنجاز فيما مضى عليه من وقت قصير في السلطة. غير أن تتبع مضمون ما يقوله السيسي وأدائه في خطاباته، المباشرة والمسجلة، يكشف زيف ما يروجه الإعلام المصري عن الرجل، في شخصه وفي سياساته، وأيضاً في الشكل والمضمون.
أول ما يلفت الانتباه بشدة، الضعف البيّن في اللغة العربية، ليس في عدم إجادة القواعد النحوية وحسب، بل أيضاً بركاكة النطق واختلاط مخارج الحروف. وهذا غير مستغربٍ على مُحدّثي السياسة والخطابة، خصوصاً من العسكريين، إذ لا حاجة في العلوم العسكرية إلى إجادة اللغة العربية. وقد عانى حسني مبارك في بدايات حكمه من تلك المشكلة، قبل أن يحسن لغته وقدراته الخطابية. لكن، يبدو أن السيسي لا يريد الاعتراف بذلك النقص لديه، فيكثر من الحديث والخطابة. ثم يخرج كثيراً عن النص المكتوب، ويتنقل بين العربية الفصحى واللهجة الدارجة في الخطاب الواحد مراتٍ.
فضلاً عن الشكل، لم يأت أي من خطابات السيسي متسلسلاً في أفكاره، أو منظماً يحمل رؤيةً محددة ترتبط بسياقه، حتى إن خطابه أخيراً في ذكرى حرب أكتوبر، استمر نصف ساعة، لم يشر خلالها إلى الحرب سوى في دقيقة واحدة. وكان مدعاة للدهشة أن يبدأ خطاب أكتوبر باستحضار وقوف الشعب مع الجيش في محنته عام 1976، وهو تذكير غير ملائم للسياق، كان كرره مرتين في خطابين سابقين: في أكتوبر 2013 (كان وقتئذ وزيراً للدفاع) ثم في العاشر من رمضان الماضي.
منذ تولى السيسي السلطة، رسمياً، قبل أشهر، تحدث علناً نحو عشر مرات، نصفها في كلمات وخطابات عامة. وكان لافتاً للغاية أن هناك ثلاث رسائل تمثل قاسماً مشتركاً في تلك الخطابات. تشمل العلاقة الخاصة جدا بين الشعب والجيش، والتي، بموجبها، يلتزم الجيش دائماً بالنزول على إرادة الشعب. وإقران ذلك بتأكيد تمتعه بموافقة شعبية على كل تحركاته، مستشهداً بتفويض 26 يوليو/تموز الذي كرره في آخر أربعة خطابات على التوالي.
وفي كل خطاب أيضاً، يحرص السيسي على ذكر الدعم العربي لمصر. وفي كل مرة، يشير إلى رد ذلك الجميل تارة بأن تفويضه لم يكن مصرياً فقط، وإنما عربي أيضاً، وتارة بأن الجيش المصري لحماية العرب أيضاً. وقبل إنهاء كل خطاب يعرج على الإعلام، ليعتب عليه مرة ويوجهه مرات. تلك هي ثلاثية السيسي الثابتة في خطاباته: التفويض الشعبي، العرب ومصر، واجب الإعلام.
وبينما تخلى السيسي إلى حد بعيد عن إحدى لوازمه، وهي القسم، فلم يعد يقسم عدة مرات في الخطاب الواحد، إلا أنه لم يتخل بعد عن الروح الوصائية والنزوع إلى الاستبداد، إذ لا يزال يكرر تعبيرات مثل "خدوا بالكو" و"اسمعوني كويس"، فضلاً عن الأوامر الصارمة، مثل "ها تدفع يعني ها تدفع"، مصحوبة بتحذير قاطع من أصبع السبابة.
وعلى الرغم من أن جزءاً من مسؤولية الخطاب تقع على من يكتبه، إلا أن تكرار ارتباك الأفكار والإلحاح فيها بالنمط نفسه يكشف حدود قدرات من يتلو الخطاب، ليس فقط من يكتبه، بل إن الدلالات السلبية في إقرار المكتوب وتكراره تتأكد بالخروج عليه والارتجال.

 

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.