18 نوفمبر 2024
يحدث بين الرباط وواشنطن
أما وأنّ "المناوشات" السياسية بين المغرب والولايات المتحدة ما أن تُطوى صفحةٌ منها حتى تستجدّ أخرى، فذلك يجعل الكلام الصحيح عن وجود علاقة شراكةٍ استراتيجيةٍ بين البلدين، تجيز وصف الرباط من حليفات واشنطن، أقربَ إلى الرّطانة التي ليس في وسعها أن تخفي خلافاتٍ عميقةً باتت تشهدها العلاقات بين العاصمتين. وعندما يتم استدعاء السفير الأميركي في الرباط إلى مقر وزارة الخارجية المغربية، الأسبوع الماضي، ليُسمعه وزيرٌ منتدبٌ ما "يؤكد تلاعباً واضحاً وأخطاء فاضحة" في وقائع تضمنّها تقرير الخارجية الأميركية بشأن حقوق الإنسان في المغرب لعام 2015، فذلك يعني أن صانع القرار في المغرب يجنح إلى ترسيم ما قاله غير وزير ومسؤول مغربي عن عدم حاجة بلاده إلى دروسٍ من أميركا وغيرها بشأن حقوق الإنسان، بل ورفضها أيّ لونٍ من الوصاية عليها، وفي البال ما تردّد أن الملك محمد السادس إنما قصد الولايات المتحدة تحديداً (والله أعلم) في قوله، في قمة الرياض الخليجية المغربية، في إبريل/ نيسان الماضي، إن بلاده ليست محميةً تابعةً لأحد.
جاءت حدّة الغضب المغربي من التقرير الأميركي السنوي، هذا العام، شديدةً، وشاركت في تظهيرها فاعلياتٌ رسميةٌ وأهليةٌ وإعلاميةٌ متنوعة، وبعيداً عن المزاودات الكلامية إيّاها، أوجز وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، وأوفى، لمّا قال إن المغرب يعرف تقدماً في ملف حقوق الإنسان، غير أن هناك نواقص كثيرة، وإن المواطنين المغاربة يعرفون جوانب القوة والضعف في أوضاع حقوق الإنسان في بلادهم. وإذ أقرّت الخارجية الأميركية بخطأ قالت إنه غير مقصود، عندما أوردت في تقريرها اسم مدير الأمن الوطني المغربي، فيما لم يكن الرجل في هذا الموقع، فإنه يجوز التدليل بهذا الأمر للذهاب إلى أن ارتجالاً تم في مواضع في التقرير لم يكن مدققاً، ولا مستوفياً تفاصيله اللازمة.
جاءت هذه النوبة من إظهار "عينٍ حمراء" مغربيّةٍ للصديق الأميركي، الحليف السابق ربما، والشريك حتماً، بعد نازلةٍ أغضبت المغرب إلى حد كبير، وليس ثمّة ما يُغضِبه مثل اللعب في ملف الصحراء. والظاهر أن العقل السياسي الأميركي لم يصل إلى القناعة بوجوب المساهمة بحلّ نهائي لهذه القضية، بل إنه، على العكس، يواصل مناوراتٍ ومراوغاتٍ مع الرباط بشأنها، ومن جديد هذا الحال، ما عرفه مجلس الأمن الدولي، في إبريل/ نيسان الماضي، عندما تصرّفت واشنطن، في صياغة مشروع قرارٍ بشأن الصحراء "بما يُعاكس روح الشراكة التي تربطها بالمملكة المغربية"، على ما جاء في بيانٍ للخارجية المغربية "تأسّف" من المسلك الأميركي الذي بدا ميالاً إلى استنزاف الرباط في ضغوطٍ لا تنهض، بالضرورة، على حقائق ظاهرة، ووقائع معلومة.
ولكن، ليس المنظور الأميركي في ملفاتنا العربية قدراً لا رادّ له، ففي وسع أي دولةٍ عربيةٍ أن تواجه الولايات المتحدة في نزالٍ سياسيٍّ ودبلوماسي، إذا ما تسلّحت بإمكانات قوّة قرارها، وقد يسّرت الرباط دليلاً على ذلك في إحباطها مشروع قرارٍ تقدّمت به واشنطن في العام 2013 في مجلس الأمن، عمل على تضمين مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهمات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية (أو الغربية)، وذلك عندما فوجئت الإدارة الأميركية بإلغاء المغرب مناوراتٍ عسكرية، كانت مقرّرة في تلك الغضون، وقد تصدّت الرباط للمشروع المذكور بحركيةٍ دبلوماسيّة، اضطرّت واشنطن إلى سحبه. والمعلوم أن أي تجاوزاتٍ تحدث في أقاليم الصحراء (الساقية الحمراء ووادي الذهب) لا تُهمل التأشير إليها، ولا إعلاءَ الصوت بصدِدها، منظماتٌ وجمعياتٌ حقوقية مغربية عديدة. والمعلوم، أيضاً، أن همّة الجزائر في التنغيص على المغرب في الساحة الأميركية نشطة، وأن اللوبي الصديق للمغرب، في الساحة نفسها، يخوض معارك ليست هينةً في غير شأن، ربما لأن الزمن غير الزمن، فأميركا الراهنة ليست ذلك الحليف المعهود للمغرب وغيره من العرب، كما أن الانفتاح المغربي، وغيره، على الصين وروسيا، في إقامة الشراكات وتبادل المصالح والمنافع، نشطٌ وبيّن... والأرجح أن نوبات التوتر بين الرباط وواشنطن ما صارت تزيد أخيراً إلا لأن لهذه المفاعيل تأثيراتها واختباراتها.
جاءت حدّة الغضب المغربي من التقرير الأميركي السنوي، هذا العام، شديدةً، وشاركت في تظهيرها فاعلياتٌ رسميةٌ وأهليةٌ وإعلاميةٌ متنوعة، وبعيداً عن المزاودات الكلامية إيّاها، أوجز وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، وأوفى، لمّا قال إن المغرب يعرف تقدماً في ملف حقوق الإنسان، غير أن هناك نواقص كثيرة، وإن المواطنين المغاربة يعرفون جوانب القوة والضعف في أوضاع حقوق الإنسان في بلادهم. وإذ أقرّت الخارجية الأميركية بخطأ قالت إنه غير مقصود، عندما أوردت في تقريرها اسم مدير الأمن الوطني المغربي، فيما لم يكن الرجل في هذا الموقع، فإنه يجوز التدليل بهذا الأمر للذهاب إلى أن ارتجالاً تم في مواضع في التقرير لم يكن مدققاً، ولا مستوفياً تفاصيله اللازمة.
جاءت هذه النوبة من إظهار "عينٍ حمراء" مغربيّةٍ للصديق الأميركي، الحليف السابق ربما، والشريك حتماً، بعد نازلةٍ أغضبت المغرب إلى حد كبير، وليس ثمّة ما يُغضِبه مثل اللعب في ملف الصحراء. والظاهر أن العقل السياسي الأميركي لم يصل إلى القناعة بوجوب المساهمة بحلّ نهائي لهذه القضية، بل إنه، على العكس، يواصل مناوراتٍ ومراوغاتٍ مع الرباط بشأنها، ومن جديد هذا الحال، ما عرفه مجلس الأمن الدولي، في إبريل/ نيسان الماضي، عندما تصرّفت واشنطن، في صياغة مشروع قرارٍ بشأن الصحراء "بما يُعاكس روح الشراكة التي تربطها بالمملكة المغربية"، على ما جاء في بيانٍ للخارجية المغربية "تأسّف" من المسلك الأميركي الذي بدا ميالاً إلى استنزاف الرباط في ضغوطٍ لا تنهض، بالضرورة، على حقائق ظاهرة، ووقائع معلومة.
ولكن، ليس المنظور الأميركي في ملفاتنا العربية قدراً لا رادّ له، ففي وسع أي دولةٍ عربيةٍ أن تواجه الولايات المتحدة في نزالٍ سياسيٍّ ودبلوماسي، إذا ما تسلّحت بإمكانات قوّة قرارها، وقد يسّرت الرباط دليلاً على ذلك في إحباطها مشروع قرارٍ تقدّمت به واشنطن في العام 2013 في مجلس الأمن، عمل على تضمين مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهمات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية (أو الغربية)، وذلك عندما فوجئت الإدارة الأميركية بإلغاء المغرب مناوراتٍ عسكرية، كانت مقرّرة في تلك الغضون، وقد تصدّت الرباط للمشروع المذكور بحركيةٍ دبلوماسيّة، اضطرّت واشنطن إلى سحبه. والمعلوم أن أي تجاوزاتٍ تحدث في أقاليم الصحراء (الساقية الحمراء ووادي الذهب) لا تُهمل التأشير إليها، ولا إعلاءَ الصوت بصدِدها، منظماتٌ وجمعياتٌ حقوقية مغربية عديدة. والمعلوم، أيضاً، أن همّة الجزائر في التنغيص على المغرب في الساحة الأميركية نشطة، وأن اللوبي الصديق للمغرب، في الساحة نفسها، يخوض معارك ليست هينةً في غير شأن، ربما لأن الزمن غير الزمن، فأميركا الراهنة ليست ذلك الحليف المعهود للمغرب وغيره من العرب، كما أن الانفتاح المغربي، وغيره، على الصين وروسيا، في إقامة الشراكات وتبادل المصالح والمنافع، نشطٌ وبيّن... والأرجح أن نوبات التوتر بين الرباط وواشنطن ما صارت تزيد أخيراً إلا لأن لهذه المفاعيل تأثيراتها واختباراتها.