ورقة التوت الأخيرة التي أمست خيطاً

تردني عبر موارد الخوارزميات عشراتُ الحيل السحرية التي يكيدها السحرة، والخوارزميات طيور، وعلى أشكالها تقع. وقد علمتُ أنَّ الساحر يصنع سحرا تعلّمه على المشعوذين، فليس سحرا حسب الطلب، فهي أعمالٌ مختلفة عن معاجز الأنبياء، وعلمت أنَّ آلاتٍ سحرية تباع في متاجر الآلات السحرية، وتعلّمت كشف بعض الحيل. وحيل السحرة العرب غير سحرة الفرنجة، فالساحر الإفرنجي لا يكيد سحرا إلا ومعه حسناء بورقة توت، وقد صارت مع الأيام ورقة صنوبر، وورقة الصنوبر إبرة خضراء يسمّونها البيكيني، وأوهى قرنه الوعل.

وقرأت أنَّ كثيرا من زعماء العالم، ورؤساء العرب ومنهم حافظ الأسد وبوش، كانوا يستعينون بالسحرة والمنجّمين لمعرفة الغيب، ومدة المُلك، وثغرات العدو، والعدو هو الشعب. ورحم الله المعتصم بالله الذي خلّده أبو تمام في قصيدة عمّورية، وإنَّ عمّورية خلّدت الاثنين، ونهاه المنجّمون عن نصرة المرأة التي استغاثت به قبل نضج التين والعنب، فأعرض عنهم. شهير فيلم "البيضة والحجر"، وهو من إخراج علي عبد الخالق الذي رحل قبل شهور، وتأليف محمود أبو زيد، وللفيلم عيب أنه ينكر السحر إنكاراً تاماً، بينما تنحو أفلام هوليوود إلى الإيمان به وترويجه، بل إنَّ أكبر مصانع لأفلام الشعوذة والرعب والجنِّ والعفاريت والمخلوقات الخفية هي مصانع هوليود للرعب والإثارة.

وأصحبتُ أعرف بعض مكائد السحرة، من تلك التي تُعرض في السيرك، ووجدت أنَّ السحرة لا يلقون عصيّهم وحبالهم إلا بمساعدة صديقٍ من غير الجانّ، والصديق أنثى، فاتنة، في كسوة البحر المالح، الذي يشربه المرءُ فيزداد عطشا، وأني ليعمى بصري، ويغانّ على قلبي عن كشف الحيلة السحرية، عندما يقدم الساحر نِمرته مع النمرة، بل إنّ الرئيس ياسر جلال ما خطب خطبة من خطبه العصماء، إلا وبجواره مليحة أو خلفه حسناء، فوراء كل عظيم امرأة، واحدة على الأقل. وكان الخطباء يقْدمون علينا في معسكرات التدريب العسكري في الجامعة، فلا يخطُبون خطبةً من خطبهم الخرقاء إلا مصحوبين بحورية برّ يسهر الخلق جرّاها ويختصم، فهي المنبر، فلو لم يصحبوها لخسر هنالك المُبطلون، فهي خطبة تُرى بالعين ولا تُسمع بالأذن، فنصفق للحسناء إن أصلحت شعرها، أو تلفتت تلفت القلب، فيحسب الخطيب، ابن اللخناء، ابن المستفرمة بعجم الزبيب، ثكلته أمه، أنّنا نصفق لفصاحته!

وسألت صديقا عن فلان، فذكر لي أنه حُبس في جناية، وكانت جنايته أنّ المخابرات دسّت له غادة حسناء، وطلبت منه وثيقةً فزوّرها لها، وقال لي الصديق إنَّ فلانا لشديد الضعف أمام الحسناوات، يرتخي حتى أنه ليدرج كاللفافة بحضورهنَّ، ولو كان على ثغر، والسجلات المدنية ثغرٌ حربي، لنفذ إلينا العدو، فقلت في سرّي: الحمد لله الذي لم يجعلني على ثغر، فأنا من أضعف خلق الله أركانا، أمام الحور العين، والحور غير العين.

أمس وردني فيديو طريف "لنمرة" سحرية، أرسلها إليّ صديق، غادة ألمانية كالقطاة، نباتية تدعو إلى الدين الجديد؛ الطعام النباتي، وقد ارتدت صدارا ملطّخا بدماء الحيوان، وللنبات دماء أيضا، فقرِمت إلى ما تقرم إليه الضياغم، ففزع إليها عجوز ألماني، باكيا، تائبا، يلطم مثل شيعي في عاشوراء، لأنه قضى عمره في أكل اللحوم فأشفقت عليه، فبكى على كتفها وهي تواسيه وتعزّيه، وتقول ما ترجمته بالمصرية: "ما تعيّطش يا حبيبي حنعمل لك لحوم نباتية"، ثم إنه رفع رأسه فجأة وهو يضحك ضحكة مسرحية، ويقول لها ما ترجمته: يا وليّة، يا مضروبة، تظنّين أني نباتي، أنا أحبُّ اللحوم، وسأستمر في أكلها برّا وبحرا وجوّا، فتبرّأت منه، وقالت: حوش .. حوش.

سألني مرسل الفيديو عن رأيي في "الفصل العنصري" بين الحيوان والنبات، وجدران برلين الجديد، وحزب الإناث الجمهوري وحزب الذكور الديمقراطي؟ فقلت إنّا نحن معشر الضراغم، بنا قَرَمان، قرمٌ دائم وقرم منقطع، والقرم شهوة اللحم. وقد عتبت على الألماني العجوز الذي صَدع بالحق، في الأشهر الحرم، وكسر بخاطر المتسربلة بالدماء، وخسر قلب الصبية، ولو كنتُ مكانه لتباكيت على كتفها، ونعمت بيدها على ظهري، أتردّد على بيت الأرقم بن أبي الأرقم، إلى أن يمكَّن الله لي في الأرض، أو تسقط ورقة التوت، أو أمضي حُقبا.