و"النجم" إذا هوى
ليس تماماً... صحيح أنه هوى، لكنه لم يكن نجماً بالمعنى الفنيّ للكلمة، بل كلّ ما بقي له محض حنينٍ فاته قطار الشهرة، بعدما فاته قطار الثورة، فراح يبحث عن عزائه الذاتيّ بلقاء "النجوم"، والتقاط الصور التذكاريّة معهم.
والحال أن "الاجتماع" الذي عقده محمود عبّاس مع "النجم" محمد رمضان لم يكن سابقة تبعث على صدمة "المعجبين"، فقد أبدى الرجل ميولًا فنية منذ سنوات، عندما لعب دور وسيط للسلام وإصلاح ذات البين مع نجمين آخرين، راغب علامة وأحلام، والتقطت صور للثلاثة مجتمعين في مقرّ إقامة فخامة الرئيس، في إحدى العواصم العربية، وكانت تلوح عليه أمارات الجدّية، وهو يؤدّي دور الحمامة، باعتباره خبيراً في "مفاوضات السلام". ويقال إنه كان يخلط أحياناً بين مفاوضات أوسلو ومفاوضات الفندق، وكان يسأل الطرفين، راغب واحلام، لماذا لا يقدّمان مزيداً من التنازلات، كما فعل هو في أوسلو.
إلى هنا، لا غبار على سلوك المراهقة المتأخّرة للسيد الرئيس، فكلّ الرؤساء يدسّون أنوفهم بين النجوم أحياناً، لمأرب ما، لكن في ما يتعلّق بالرئيس "الثورجي"، كان ثمّة تساؤل عن اقتران لقاءاته الفنية بأحداث أمنيّة كبرى داخل قطع الأراضي المبعثرة التي يحكمها، فلقاؤه الأول براغب وأحلام تزامن مع اغتيال المثقّف المشتبك باسل الأعرج، واللقاء الثاني مع رمضان جاء غداة العدوان الصهيوني أخيراً على غزّة، فهل كان الرئيس يبحث عن سلوى تُنسيه كآبته وأحزانه على الشهداء والضحايا، على افتراض أنه مكتئب، اصلاً، أم كان يبحث عن علاج فنيّ لإخفاقه السياسيّ، خصوصاً كلما وجد نفسه منزوع الصلاحيّات في الملمّات الكبرى، "لا يهشّ وينشّ" كما يقال، وأقصى ما يمكن أن يفعله متابعة أخبار المجازر على التلفاز، كما يتابعها غيرُه، لكن ليس على حساب متابعته مسلسل "جعفر العمدة" الذي استهواه منذ الحلقة الأولى بنجمه المفضّل محمد رمضان، وكان أوّل ما فعله عندما انتهى العدوان، والمسلسل، أن طلب لقاءً عاجلاً بنجمه بدل أن يطلبه مع ذوي ضحايا العدوان، فقد أعجبه المسلسل الأول، ولم يستهوه "المسلسل" الثاني؛ لأنه مكرور القصة والعقدة، بأبطاله، وضحاياه الذين لا يختلف إلا عددهم بين مسلسل وآخر.
لا أحد غير سيادة الرئيس يعرف الإجابة عن هذا السؤال، لكن بالعودة إلى جذوره الفنيّة الأولى، ثمّة من يسأل إن كان هذا "المناضل"، عندما انخرط في صفوف الثورة، في مطلع شبابه، قد قرأ البرنامج الداخلي أو التنظيمي لحركة فتح، أو تدرّب على بندقية أو مسدسٍ، أو نام في مهجع الثوار يوماً، بينما يراهن آخرون أنه لم يترك عدداً من مجلة الموعد، أو الشبكة، إلا وقرأه، ويتّكئون على أدلة لاحقة، لمناضل لم يظهر إلا في نهايات الحروب ليوقع على وثائق الاستسلام. وإلا فكيف ظهر محمود عباس بغتة وبزغ "نجمه" عند مفاوضات أوسلو، حصراً، في حين كان هذا "النجم" مظلماً في أوج الاشتباك الثوريّ، والانتفاضات، عندما كان لا يعرف من النجوم آنذاك غير أبو جهاد، وأبو إياد؟
أما في القراءة الأخيرة لمحلّلين آخرين، فيقال إن محمود عبّاس عندما أدرك مبكّرًا أنه لا يحظى بمؤهلات النجومية الفنية، التحق بالثورة، لا ليحارب، بل آثر أن يعدّ نفسه، في الظلّ، بعيداً عن أزيز الرصاص، وهدير المدافع، مستفيداً من رؤية زعيمه ياسر عرفات للمرحلة المقبلة، التي ستكون سياسية بامتياز، لا مكان فيها للبندقية، ولم يعد لديه سوى حلم واحد: أن يكون "نجماً" سياسيّاً هذه المرّة، وهو ما ظنّه تحقق عندما غدا "رئيساً" لا بفضل مواهبه، بل لأنه يملك مؤهلات مرحلة التفريط والتنازلات، ولا بأس من تلميعه أميركياً وإسرائيليًاً، ومدّه بأدوات الرياسة وضروراتها من خدم وحشم، وحرس شرف، ثمّ لم يبق للرئيس الذي اكتملت أدواته، وسطع "نجمه" غير مطاردة حلمه الأول، لكن بصيغة أخرى يزاوج فيها بين الفنّ والسياسة، على اعتبار أنه مغرم بفيلم "الراقصة والسياسي".
وبين هذا وذاك لم يكن يدري "النجم" أنه يهوي ويهوي.. لأنه لم يكن غير نجم مظلم في هاوية التفريط.