واشنطن والشبح الصيني
فيما يباشر الرئيس الأميركي، جو بايدن، أول زيارة له إلى منطقة الشرق الأوسط، تتصدّرها قضايا الطاقة والأمن الإقليمي، لا تبدو الصين غائبة تماما عن جدول أعمال الزيارة في ضوء الاختراقات الكبيرة التي حققتها في المنطقة خلال السنوات التي تراجع اهتمام واشنطن بها. وإذا كانت الصين غير مستعدّة بعد للاضطلاع بأي دور أمني في عموم منطقة غرب آسيا، بوجود الولايات المتحدة، إلا أن حضورها الاقتصادي بات طاغيا فيها. وقد قدّر حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي عام 2019 (قبل انتشار كوفيد) بنحو 180 مليار دولار. وقد أزاحت الصين في تلك السنة الاتحاد الأوروبي عن المركز الأول شريكا تجاريا لدول الخليج العربية. وبعكس المقاربة الأميركية (والغربية عموما) لا تجد الصين بأسا في التعامل مع جميع دول المنطقة، لا يعوقها في ذلك أي اعتبار، سياسي أو خلافه. ففي وقتٍ باتت فيه الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربية، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في الاقتصاد الإيراني، بعدما وقّعت اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع طهران في مارس/ آذار 2021، بلغت قيمتها نحو 450 مليار دولار، جلها استثماراتٌ في قطاعي النفط والغاز. وفيما تستفيد من حالة العداء الأميركي - الإيراني المديد لتحويل إيران إلى محطّة وقود لنشاطها الاقتصادي المتعاظم، ونقطة ارتكاز لمشروع الحزام والطريق في منطقة غرب آسيا، تستثمر الصين في الفجوة المتزايدة بين إسلام أباد وواشنطن، والناجمة، بشكل رئيس، عن تعاظم التحالف الأميركي - الهندي. ويعد الكوريدور الاقتصادي الصيني - الباكستاني، وهو جملة مشاريع بنية تحتية في مجال النقل وخطوط الطاقة تبدأ من إقليم سينغيانغ، غرب الصين، وتنتهي في ميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب بقيمة إجمالية تصل إلى 60 مليار دولار، يعدّ من أهم استثمارات مشروع الحزام والطريق. وقد أنهت الصين، أخيرا، بناء منشأة لاستقبال الغاز المسال في الميناء بقيمة 2.5 مليار دولار، لتلقي شحنات الغاز المسال بعيدا عن الطرق البحرية الأطول التي تمتد عبر بحر اندامان ومضيق ملقا، حيث السيطرة البحرية للولايات المتحدة.
في السنوات الأخيرة، بدأت الصين تبدي اهتماما متزايدا بالمشرق العربي (العراق وسورية تحديدا). وفيما أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار لإنشاء نظام بديل موال لها في بغداد بعد إطاحة نظام الرئيس صدّام حسين، دخلت الصين، بعد مغادرة الولايات المتحدة، لجني الأرباح. ففي عام 2021، تحوّل العراق إلى أكبر مستقبل للاستثمارات الخارجية الصينية بمبلغ إجمالي قدره 10.5 مليارات دولار تركز أكثرها في قطاعي الطاقة والنقل، وذلك بعدما انسحبت أكثر الشركات الغربية من العراق بسبب الفساد والبيروقراطية وسياسة "التطفيش" التي يتبعها بحقها حلفاء إيران لاستبدالها بشركات صينية تعمل حاليا مستثمرا رئيسا أو باطنيا في أكثر من 15 حقلا لإنتاج النفط في العراق. وكان رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي قد وقع خلال زيارة قام بها إلى الصين عام 2019 اتفاقية "النفط مقابل البناء"، يتم بموجبها وضع عائدات النفط العراقي المباع للصين في صندوقٍ مشترك، تستخدمه الشركات الصينية لإنشاء مشاريع كبرى في العراق.
وعلى الرغم من أن سورية لم تحظ باهتمام فعلي من الصين، ولم تكن جزءا من مشروع الحزام والطريق، دلّت زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق، في يوليو/ تموز من العام الماضي، على تغير في التفكير الصيني بهذا الخصوص. وقد وقعت سورية والصين على مذكرة تفاهم في مطلع هذا العام تسمح لسورية بالانخراط في مشروع الحزام والطريق. ورغم أن من المبكّر الحديث عن مشاريع صينية كبرى في سورية في غياب حل سياسي، إلا أن الصين تبدي اهتماما متزايدا بربط مصالحها في غرب آسيا في إطار محور إيران – العراق - سورية التي صارت للصين يد طولى فيه.
في القمة التي عقدت في ألمانيا في شهر يونيو/ حزيران الماضي، اتفقت الدول الصناعية الغربية السبع الكبرى على إطلاق مبادرة اقتصادية لمواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني بقيمة 600 مليار دولار، تخصّص للاستثمار في البنية التحتية في الدول النامية. ولكن صحوة الغرب المتأخرة في هذا المجال قد لا تفيد كثيرا في احتواء "الغول" الصيني الذي بات لا يدع أخضر ولا يابسا.