هواجس إسرائيلية تسبق زيارة بايدن
لدى متابعة ما كتب في إسرائيل عن الزيارة التي يعتزم الرئيس الأميركي، جو بايدن، القيام بها إلى منطقة الشرق الأوسط في أواسط الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، وتشمل بالأساس إسرائيل والسعودية، لن يستصعب القارئ استنتاج أن المؤسستين، السياسية والأمنية، باتتا منذ الآن تصوران مستقبلًا من المتوقع أن يترتب على هذه الزيارة، تتمكّن فيه دولة الاحتلال من الاطمئنان إلى "حتمية" حلّ مشكلاتها الإقليمية وفقًا لرؤيتها، سيما المشكلات المرتبطة بالملّفين الأشد استعصاءً من وجهة نظرها: الإيراني والفلسطيني.
بطبيعة الحال، تشمل أجندة زيارة بايدن عدة موضوعات، يبدو أن أبرزها يرتبط بتعزيز ما وصفته إسرائيل (بالتزامن مع كتابة هذه السطور) بأنه "تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط"، في مواجهة ترسانة الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. ومُلاحظ أن موضوع هذا الدفاع الجويّ طاغٍ بصورة لافتة للنظر على التحليلات الإسرائيلية منذ معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار 2021، حيث تتشارك معظم تلك التحليلات في رؤيةٍ تذهب إلى أن أحد أهم الدروس المُستخلصة من تلك المعركة، فيما يخصّ محور القوى الدائرة في فلك طهران، تمثّل في تحرُّك عناصر منها معًا أول مرة، وبصورة فاعلة، لمساعدة أحد أعضاء المحور في معركته ضد إسرائيل. وفي الوقت الحالي، أمست هذه القوى تتبنّى استراتيجيا تتجه أكثر فأكثر نحو تحجيم الجهد الدفاعي للجيش الإسرائيلي، والمساس بالردع، وتقويض الإحساس بالأمان في إسرائيل.
وكان ثمّة درس آخر من معركة "سيف القدس"، وفقًا للقراءات الإسرائيلية، مؤدّاه أن سيناريو قتال متعدّد الجبهات هو بمنزلة تهديد حقيقي يجب الاستعداد لمواجهته من خلال انتهاج عقيدة عملٍ ملائمةٍ للتعامل مع هذا السيناريو المعقّد، مع التشديد على الجهد الدفاعي، وعلى الجبهة الداخلية. وفي هذا الشأن، ذكرت عدة معاهد لدراسة السياسات والاستراتيجيا أن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تشكل مرساةً أساسيةً في نظرية الأمن القومي في إسرائيل، وغيابها أو حتى أي تآكل فيها، سيجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها من الناحيتين، العسكرية والسياسية. وفي ضوء ذلك، على إسرائيل المحافظة على التعاون الاستراتيجي والعملاني مع الولايات المتحدة، وتعزيز مكانتها بصفتها ذُخرًا لهذه الأخيرة في المنطقة، والأخذ في الاعتبار "الخطوط الحمراء" للإدارة الأميركية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الجوهرية.
ومع تأكّد زيارة الرئيس الأميركي، نُشرت تقارير عن توسُّط الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية ومصر، من أجل تسوية وضع الجزيرتين الواقعتين على مدخل خليج إيلات. ووفقًا لتقرير أصدره مركز أبحاث السياسة والاستراتيجيا المائية في جامعة حيفا، فإن خطوة التسوية هذه مُلحة وضرورية لأمن إسرائيل في أي اتفاقٍ يجري التوصل إليه بين هذه الدول. وتقع مضائق تيران وجزيرتا تيران وصنافير في أقصى جنوب خليج إيلات، في الطريق المؤدّية إلى شرقي البحر الأحمر. وبحسب أدبيّات هذا المعهد وعمومًا، لهذه المضائق أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، وإغلاق المصريين لها أمام عبور السفن المتجهة إلى إسرائيل، أو المنطلقة منها، كان من بين الأسباب التي أدّت إلى نشوب حربي السويس 1956، وحزيران 1967. ومُجرّد هذا الأمر أدّى إلى إعطاء تلك المنطقة الحساسة اهتمامًا خاصًا في إطار اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر في 1979، والتي جرى خلالها الالتزام بحُرية الملاحة من إسرائيل وإليها في هذه المضائق، كما وُضعت آلية لنزع السلاح من هذه المنطقة ومراقبتها بواسطة قوة مراقبين من الأمم المتحدة برئاسة الولايات المتحدة. ويُشار هنا إلى أن السعودية "ورثت" أيضًا، لدى إعادة مصر الجزيرتين إليها، اتفاق هذه الأخيرة مع إسرائيل المتعلق بهذه المنطقة، إنما من دون أن تكون طرفًا فيه. ومنذ ذلك الحين، صرّحت السعودية، في الظاهر، بأنها لا تجد نفسها مُلزمة بما تضمّنه الاتفاق، وبضمان حرية الملاحة لإسرائيل. ومن هنا، نشأت الحاجة إلى تسوية مباشرة مع الرياض بروح ذلك الاتفاق.