هل يكرّر سوناك في بريطانيا تجربة أوباما؟
كما أننا نتناول بالنقد النزعات العنصرية والشعبوية المعادية للمهاجرين في أوروبا وعموم الغرب، والتي تنامت في الآونة الأخيرة نتيجة تفاقم التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية وتناقص الموارد التي تقوم عليها دولة الرفاه الاجتماعي الأوروبية، لا يستقيم الأمر إذا لم ننوّه بالخطوة الرائدة التي شهدتها بريطانيا أول من أمس (الاثنين)، عندما منح حزب المحافظين (يمين) ثقته لوزير الخزانة السابق، ريشي سوناك، ليصبح رئيسا للوزراء، من دون النظر إلى أصوله المهاجرة (ولد لأبوين هنديين) أو معتقداته الدينية (الهندوسية)، بل انحصر الاهتمام بمؤهلاته وكفاءته والثقة بقدرته على قيادة البلاد في ظل أزمة اقتصادية طاحنة (مع بقاء أصوات معارضة طبعا داخل الحزب، وهذا طبيعي).
وكانت الولايات المتحدة قد خطت خطوة مشابهة قبل أكثر من عقد، عندما نصّبت مرشّحا من أصول أفريقية رئيسا لها، ليعكس عمق التحول في تفكير المجتمع الأميركي، الذي لعبت مسألة اللون دورا مهما في رسم تاريخه منذ تأسيس المستوطنات الأوروبية الأولى على الساحل الشرقي لأميركا الشمالية، والبدء باستقدام الأفارقة (خطفهم بالأحرى) من سواحل غرب أفريقيا للعمل عبيداً في مزارع المستوطنين البيض على الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي. والواقع أن ظروف وصول ريشي سوناك إلى الحكم في بريطانيا عام 2022 تشبه إلى حد كبير ظروف وصول باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 2009، فقد جرى انتخاب أوباما عشية الأزمة المالية العالمية التي حصلت على خلفية انفجار فقاعة الرهن العقاري، والنزيف المالي الذي تسبّبت به حربا العراق وأفغانستان، وعليه، وضع جزء لا بأس به من الأميركيين ثقتهم بقدرة أوباما على إخراج البلاد من الوضع البائس الذي انحدرت إليه في عهد سلفه.
بالمثل، جاء سوناك إلى السلطة بعد فترة اضطرابٍ كبيرةٍ، تسبّب بها استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 والمفاوضات المضنية التي دخلتها مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم خروجها باتفاقيةٍ، لم يمكن التوصل اليها إلا مطلع عام 2020، وهو وقتٌ ضربت فيه جائحة كورونا العالم، وكانت بريطانيا من أكثر الدول الأوروبية تأثرا بها، إذ شارف نظامها الصحي على الانهيار، كما اضطرّت الحكومة الى إنفاق ما يزيد عن 300 مليار جنيه إسترليني لدعم قطاع الأعمال نتيجة الإغلاقات المتكرّرة. وما إن انقشعت الجائحة، حتى اندلعت حرب أوكرانيا التي تصدّت خلالها بريطانيا للعب دور قيادي في مواجهة روسيا، لكن الحرب تسبّبت أيضا في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ما رفع التضخّم إلى مستويات قياسية، وانزلق ملايين البريطانيين إلى حافّة الفقر في الوقت نفسه الذي دخلت فيه البلاد في أزمة سياسية حادّة على خلفية السلوك غير المسؤول لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، والانقسامات التي سادت حزب المحافظين نتيجة الصراع على خلافته.
السؤال الذي يطرحه كثيرون الآن: هل يؤدّي تشابه ظروف وصول سوناك وأوباما إلى السلطة إلى تشابه النتائج؟ بمعنى هل يوقظ وصول سوناك إلى الحكم في بريطانيا نزعاتٍ عنصريةً كامنةً في المجتمع البريطاني، كما فعل وصول أوباما في أميركا إلى الحكم، وهل يؤدّي ذلك إلى صعود دونالد ترامب بريطاني؟ هناك وجهة نظر تقول إن حزب المحافظين ما كان ليذهب باتجاه اختيار سوناك لولا الفشل الذريع لرئيسة الوزراء المنصرفة ليز تراس، والخوف من الذهاب إلى انتخابات عامة من المؤكّد أن المحافظين سيُمنون فيها بخسارة كبيرة، إذ يحمّلهم البريطانيون مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد منذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي. هذه وجهة نظر لا يمكن دحضها بسهولة، كما لا يمكن استبعاد أن يؤدّي وصول سوناك إلى السلطة إلى إحداث شرخ في المجتمع البريطاني، لا يقل عمقا عن الشرخ الذي أحدثه وصول أوباما من خارج النخبة البيضاء البروتستانتية الأنجلوساكسونية (White Anglo-Saxon Protestants) التي حكمت الولايات المتحدة منذ نشأتها في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. لكنّ هناك احتمالا أكبر أن يؤدّي وصول سوناك إلى رئاسة الحكومة إلى تحقيق دمج كامل للمهاجرين في المجتمع البريطاني، خصوصا أن بريطانيا تعدّ من أنجح دول أوروبا في هذا المجال وأكثرها احتراما لسيادة القانون.