هل ثمّة فرصة في الانفتاح العربي على سورية؟
بعد جمودٍ ظاهرٍ استمرّ بضعة أشهر، خطت السعودية خطوة جديدة، كبيرة، باتجاه التطبيع مع النظام السوري، بتعيين سفيرٍ لها في دمشق (فيصل المجفل). وتأتي الخطوة السعودية بعد عام على إعلان البلدين استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2012. وكان الجمود أحاط بمسار التقارب العربي مع النظام السوري بعد اندفاعة كبيرة قادتها الرياض العام الماضي، مستندةً إلى مبادرة الخطوة مقابل خطوة التي طرحتها عمّان عام 2021، وأسفرت عن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ودعوتها لأول مرة منذ قمّة سرت (في ليبيا) العربية عام 2010 إلى حضور قمّة جدّة العربية في مايو/ أيار 2023، وتشكيل لجنة اتصال عربية لحل الأزمة السورية، لم يبدُ أنها حقّقت تقدّماً على مدار عام من إنشائها، بموجب اجتماع عمّان التشاوري بشأن سورية في مايو/ أيار 2023.
لكن التطورات الأخيرة في العلاقة بين الرياض ودمشق توحي بوجود مسار ثنائي كان يجري العمل فيه، من دون إعلان، على حلحلة بعض القضايا العالقة، وأسفر، على ما يبدو، بعد قمّة المنامة أخيراً، واللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس النظام السوري بشار الأسد، عن قفزة كبيرة في العلاقات الثنائية، نتج عنها أيضاً استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، وتزويد السعودية، بحسب تقارير إعلامية، شركة الطيران السورية بقطع غيار لطائراتها، سواء من طراز بوينغ أو إيرباص، لتسهيل عملية نقل الحجاج السوريين، التي أعادت السعودية الولاية عليها إلى النظام.
ورغم أن الانفتاح العربي بدأته الإمارات والبحرين وعُمان والسودان (في عهد عمر البشير) بين 2018 - 2020، إلا أن عين النظام السوري كانت دائماً على الرياض، وعلى تحقيق اختراق معها بدل الاستثمار في المسارات الأخرى، متعدّدة الأطراف، بما فيها لجنة الاتصال العربية. وتشير قراءات في تفكير النظام السوري إلى أن رهانه بدأ مبكّراً على قدرة السعودية على كسر عزلته العربية والتأثير في موقف الغرب من ملفّ العقوبات. وكانت تقارير أفادت بأن بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، ومسؤول مفاوضات التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل، ورئيس الوفد الأميركي المفاوض مع إيران في عُمان، كان وراء سحب "قانون مكافحة التطبيع" مع النظام السوري، الذي أقرّه الكونغرس في وقت سابق هذا العام، بتأثير سعودي على ما يبدو.
وكانت دمشق أرسلت قبل ذلك إشاراتٍ باستعدادها لتسوية القضايا التي تهم السعودية، وفي مقدمتها ملف تهريب المخدرات (يبدو أن تعاوناً أكبر يجري بشأنه الآن)، وموضوع العلاقة مع إيران، وما رشح أخيراً عن وجود حالة من الجفاء الظاهر معها. وكان لافتاً، هنا، قرار طرد السفير الحوثي في دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واغلاق السفارة (ما يبقى للحوثيين سفارة واحدة في طهران فقط). وقد سبق ذلك اجتماع هو الأول بين وزير الخارجية في الحكومة "الشرعية" اليمينة، ووزير خارجية النظام السوري، في القاهرة، على هامش الاجتماع الوزاري لمجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر/ أيلول الماضي.
الآن، وقد صرنا هنا، وهذا المهمّ، ولمّا كانت السياسة هي فنّ الممكن، وبما أن المعارضة السورية تفتقد أدوات التأثير في مسار التطبيع العربي (السعودي خاصة) مع النظام، قد يكون من غير المفيد اتخاذ موقف سلبي منه، كما يُتوقع أن يفعل بعضهم، لأن ضرر هذا أكبر من نفعه، والمبادرة بدلاً من ذلك إلى محاولة التأثير في هذا المسار، لا بل الاستثمار فيه، وتحويله إلى فرصة للدفع باتجاه الحل، بدلاً من مهاجمته أو محاولة وقفه، عبثاً، عبر تشجيع دور وساطة سعودي، مدعوم عربياً، بين النظام والمعارضة، باعتبار أن السعودية، بحكم رهان النظام عليها للخروج من أزمته العميقة، صار لها دالّة عليه، ما يسمح بتحقيق تقدّم في مسار الحل السياسي، يلملم أشلاء سورية، يلبّي الحد الأدنى من تطلّعات السوريين، ويعيد سورية إلى البيت العربي، وفي هذا مصلحة سعودية، وعربية، كما أن فيه مصلحة للنظام والمعارضة على السواء، فأسس الحل صارت واضحة للجميع: دستور توافقي جديد، تعقُبه انتخابات، بقانون جديد، يشارك فيها السوريون جميعاً، حيثما وجدوا، بإشراف عربي وأممي، والباقي يأتي لاحقًا. ما نحتاج إليه الآن بعض الجرأة لتعزيز هذا الطرح بين السوريين.