25 اغسطس 2024
هل تعرف صبري الشريف؟
بصراحة، لم أكن أعرف شيئاً عن الموسيقي الفلسطيني، صبري الشريف، ولكنني فوجئتُ بأن أي كلامٍ عن التجربة الرحبانية يوصلُ إليه، وإنه لمن الطريف أنْ تعرف أنَّ سعيد عقل "المسيحي" أبدع قصيدةً مَجَّدَ فيها الحاضرةَ التاريخية للإسلام مكة، ولحّنها الأخوان الرحباني "المسيحيان"، وشَدَتْ بها فيروز "المسيحية" كرمى لصبري الشريف "المسلم".
ولد صبري الشريف في العام 1922. شغل منصب رئيس القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى، التابعة لوزارة الخارجية البريطانية التي كانت تتخذ من قبرص مقراً لها، وكان يتمتع بثقافة فنيةٍ واسعةٍ، حَصَّلَها من مصدريْن، أولهما في أثناء دراسته في لندن، وثانيهما من كونه ابن مدينة يافا التي كانت تعتبر العاصمة الثقافية لفلسطين في ذلك الزمان.
وفي أوائل الخمسينيات، كانت أعمال الرحابنة الموسيقية والغنائية قد بدأت تنتشر، فسافر صبري الشريف إلى بيروت، ليتقصّى هذه الظاهرة الفنية الجديدة المثيرة للاهتمام، وقابل عاصي ومنصور الرحباني اللذيْن أسمعاه أعمالاً لم يكن قد سمعها قبل مجيئه، فذهل وسألهما: أين درستما الموسيقى؟ في إسبانيا؟ فأخبراه أنهما لم يغادرا لبنان قط، وإنما درسا في بيروت على يدي الخوري بولس الأشقر، ثم على يدي برتران روبيار. ومما صرح به منصور الرحباني: أريد أن أشهد، للتاريخ، أن لصبري الشريف، هذا الرجل المبدع، فضلاً عظيماً على الموسيقى اللبنانية! وقد أكد الناقد الموسيقي، إلياس سحاب، صحة هذه العبارة.
بعد ذلك اللقاء التاريخي، سعى صبري إلى نقل مكاتب إذاعة الشرق الأدنى وميزانيتها الضخمة إلى بيروت، لقناعته بإمكان تحقيق أعمال فنية مهمة انطلاقاً من لبنان، وقد حصل ذلك بالفعل.
أخرج صبري الشريف غالبية أعمال الرحباني الغنائية، وكان (بحسب ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته عنه مؤسسة نوى في أكتوبر/ تشرين الأول 2014) فنياً وإدارياً صارماً جداً، يسيطر العبوسُ على وجهه أثناء العمل، ولديه، على الدوام، مخيلة قادرة على إبداعه بيئة اجتماعية وإنسانية وفنية مليئة بالود والجمال المتدفق.
عام 1956، وعلى إثر العدوان الثلاثي على قناة السويس، استقال معظم الموظفين العرب، وكانوا جلّهم من الفلسطينيين، احتجاجاً على العدوان الذي تقوده بريطانيا على مصر، ومن بينهم المخرج صبري الشريف.
يروي الموسيقار زكي ناصيف، وهو من أعمدة الفن الكبار في لبنان، وأحد أفراد "عصبة الخمسة" أنه تعرّف على صبري الشريف في مكتب إذاعة الشرق الأدنى في شارع فينيسيا. وكانت للأخوين رحباني علاقة بالإذاعة منذ سنتين أو ثلاث. وبناء على اقتراح صبري، خصّص زكي بعض الأغاني لبعض أفراد المجموعة "الكورس" ليغنّوها منفردين، فيزيد دخلهم، ومنهم: نصري شمس الدين ومحمد غازي. ثم جاء تكليف زكي ناصيف وتوفيق الباشا والمجموعة، في مهرجان بعلبك. انطلقت الليالي اللبنانية الأولى في مهرجانات بعلبك الدولية، في شهر أغسطس/ آب 1957، بعمل فولكلوري عنوانه أيام الحصاد، وهو مشهدية فولكلورية عن عرس الضيعة، وهو أوّل عمل مسرحيّ للرحابنة مع فيروز في تلك الليالي البعلبكية. يومذاك، أراد المخرج صبري الشريف إحداث صدمةٍ إيجابية لدى الجمهور، فعمد إلى إظهار فيروز وهي تقف على أحد أعمدة القلعة، مضاءةً باللون الأزرق من كل الجوانب، لتصدح بأغنية "لبنان يا أخضر حلو". فكان صدى المشهد صاعقاً على الجمهور، وعلا التصفيق في موجةٍ من التأثّر العاطفي، تلا ذلك المقدمة الموسيقية (هلا لا لا ليا) و(طلّوا حبابنا طلّوا)، ورقصة "مَشْق الزعرورة".
توقفت مهرجانات بعلبك عام 1958 بسبب أحداث تلك السنة، وتجدّدت الليالي اللبنانية في الصيف التالي 1959، في عرضٍ يحاكي العرض الأول من حيث الأهمية والروعة. وفي الموسم التالي، وكما كلّ الأمور الجميلة، انفرط العقد وحُلّت الشراكة، وانفصل الأخوان رحباني عن توفيق الباشا وزكي ناصيف، وبقي صبري الشريف مع الرحابنة.
(فصل من كتاب عن التجربة الرحبانية الفيروزية، قيد التأليف)
ولد صبري الشريف في العام 1922. شغل منصب رئيس القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى، التابعة لوزارة الخارجية البريطانية التي كانت تتخذ من قبرص مقراً لها، وكان يتمتع بثقافة فنيةٍ واسعةٍ، حَصَّلَها من مصدريْن، أولهما في أثناء دراسته في لندن، وثانيهما من كونه ابن مدينة يافا التي كانت تعتبر العاصمة الثقافية لفلسطين في ذلك الزمان.
وفي أوائل الخمسينيات، كانت أعمال الرحابنة الموسيقية والغنائية قد بدأت تنتشر، فسافر صبري الشريف إلى بيروت، ليتقصّى هذه الظاهرة الفنية الجديدة المثيرة للاهتمام، وقابل عاصي ومنصور الرحباني اللذيْن أسمعاه أعمالاً لم يكن قد سمعها قبل مجيئه، فذهل وسألهما: أين درستما الموسيقى؟ في إسبانيا؟ فأخبراه أنهما لم يغادرا لبنان قط، وإنما درسا في بيروت على يدي الخوري بولس الأشقر، ثم على يدي برتران روبيار. ومما صرح به منصور الرحباني: أريد أن أشهد، للتاريخ، أن لصبري الشريف، هذا الرجل المبدع، فضلاً عظيماً على الموسيقى اللبنانية! وقد أكد الناقد الموسيقي، إلياس سحاب، صحة هذه العبارة.
بعد ذلك اللقاء التاريخي، سعى صبري إلى نقل مكاتب إذاعة الشرق الأدنى وميزانيتها الضخمة إلى بيروت، لقناعته بإمكان تحقيق أعمال فنية مهمة انطلاقاً من لبنان، وقد حصل ذلك بالفعل.
أخرج صبري الشريف غالبية أعمال الرحباني الغنائية، وكان (بحسب ما جاء في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته عنه مؤسسة نوى في أكتوبر/ تشرين الأول 2014) فنياً وإدارياً صارماً جداً، يسيطر العبوسُ على وجهه أثناء العمل، ولديه، على الدوام، مخيلة قادرة على إبداعه بيئة اجتماعية وإنسانية وفنية مليئة بالود والجمال المتدفق.
عام 1956، وعلى إثر العدوان الثلاثي على قناة السويس، استقال معظم الموظفين العرب، وكانوا جلّهم من الفلسطينيين، احتجاجاً على العدوان الذي تقوده بريطانيا على مصر، ومن بينهم المخرج صبري الشريف.
يروي الموسيقار زكي ناصيف، وهو من أعمدة الفن الكبار في لبنان، وأحد أفراد "عصبة الخمسة" أنه تعرّف على صبري الشريف في مكتب إذاعة الشرق الأدنى في شارع فينيسيا. وكانت للأخوين رحباني علاقة بالإذاعة منذ سنتين أو ثلاث. وبناء على اقتراح صبري، خصّص زكي بعض الأغاني لبعض أفراد المجموعة "الكورس" ليغنّوها منفردين، فيزيد دخلهم، ومنهم: نصري شمس الدين ومحمد غازي. ثم جاء تكليف زكي ناصيف وتوفيق الباشا والمجموعة، في مهرجان بعلبك. انطلقت الليالي اللبنانية الأولى في مهرجانات بعلبك الدولية، في شهر أغسطس/ آب 1957، بعمل فولكلوري عنوانه أيام الحصاد، وهو مشهدية فولكلورية عن عرس الضيعة، وهو أوّل عمل مسرحيّ للرحابنة مع فيروز في تلك الليالي البعلبكية. يومذاك، أراد المخرج صبري الشريف إحداث صدمةٍ إيجابية لدى الجمهور، فعمد إلى إظهار فيروز وهي تقف على أحد أعمدة القلعة، مضاءةً باللون الأزرق من كل الجوانب، لتصدح بأغنية "لبنان يا أخضر حلو". فكان صدى المشهد صاعقاً على الجمهور، وعلا التصفيق في موجةٍ من التأثّر العاطفي، تلا ذلك المقدمة الموسيقية (هلا لا لا ليا) و(طلّوا حبابنا طلّوا)، ورقصة "مَشْق الزعرورة".
توقفت مهرجانات بعلبك عام 1958 بسبب أحداث تلك السنة، وتجدّدت الليالي اللبنانية في الصيف التالي 1959، في عرضٍ يحاكي العرض الأول من حيث الأهمية والروعة. وفي الموسم التالي، وكما كلّ الأمور الجميلة، انفرط العقد وحُلّت الشراكة، وانفصل الأخوان رحباني عن توفيق الباشا وزكي ناصيف، وبقي صبري الشريف مع الرحابنة.
(فصل من كتاب عن التجربة الرحبانية الفيروزية، قيد التأليف)