هل تخسر روسيا الحرب؟

13 أكتوبر 2022
+ الخط -

تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تحوّلات ميدانية نوعية مع التقدّم النسبي الذي أحرزته القوات الأوكرانية في أكثر من جبهة في الشرق والجنوب. وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن حسمٍ قريبٍ لصالح هذا الطرف أو ذاك، إلا أنه لا ينبغي القفز على ما تعرّض له الروس من خسائر فادحة. وكان لافتا نجاحُ الطرف الأوكراني في اختراق المنظومة الأمنية الروسية بتفجيره جسر القرم، السبت الماضي، بما لذلك من دلالاتٍ سياسيةٍ ترتبط، أساسا، بالأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لشبه جزيرة القرم في معادلة الصراع على النفوذ في المنطقة. وربما لا مجازفة في القول إن هذا الحادث يؤشّر إلى أن الحرب قد دخلت مرحلةً مفصليةً قد يكون لها ما بعدها، لا سيما مع تكثيف القوات الروسية هجماتها على عموم المدن الأوكرانية، واستهدافها البنية التحتية خلال الأيام القليلة الماضية، ردّا على تفجير جسر القرم.

مؤكّدٌ أن روسيا تعي جيدا أن الأهداف التي سطّرتها، عند انطلاق حملتها العسكرية على أوكرانيا، والتي كانت تتصدّرُها السيطرة على العاصمة كييف وتنصيب حكومة موالية لها، أضحت مستحيلة الآن. وتعكس تدابيرُ مثل إعلان التعبئة العامة، وتنظيم استفتاءاتٍ شكليةٍ لضمّ أقاليم لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، والتلويح باستعمال السلاح النووي، وتغيير قائد قواتها في أوكرانيا، مأزقَ الروس وعجزَهم الواضح عن الانعطاف بالحرب صوب مساراتٍ تعزّز موقعهم التفاوضي في أفق البحث عن تسويةٍ متوازنةٍ للأزمة.

يُربك التقدّم الذي أحززه الجيش الأوكراني، في الأسابيع الأخيرة، الحسابات الروسية، ويضع موسكو أمام تحدٍّ مصيري. ويبقى مسار الحرب مرتبطا بتوازنات الداخل، ليس فقط في ما له صلة بارتفاع الكلفة البشرية والسياسية والاقتصادية للحرب، ولكن أيضا في ما يتعلق بالهويات المكونة للاتحاد الروسي. ومن هنا، ندرك الأبعاد التي ينطوي عليها التحوّل الدالّ في الدعاية الروسية، التي تبدو حريصةً على استدعاء الأمجاد التاريخية لروسيا والإرث التاريخي القيصري والسوفييتي. وتعلّمنا خبرات الحروب الكبرى أن استدعاء الماضي وتمجيده غالبا ما يخفي انتكاسات كبيرة، يجتهد الساسة والقادة العسكريون في إخفائها عن شعوبهم، حفاظا على الروح المعنوية الجماعية. وفي الحالة الروسية، يعكس اللجوء إلى التاريخ تحوّلا في إدراك مجريات الأزمة ميدانيا وسياسيا، والتي لم تعد في صالح الروس، أو على الأقل لن تؤول إلى ما كانوا يطمحون إليه في صراعهم مع الغرب، وبالأخص أمام غياب عقيدة عسكرية واضحة يستندون إليها في حملتهم الحالية على أوكرانيا.

في السياق ذاته، تُدرك روسيا أن مياها كثيرة جرت تحت جسور الجمهوريات التي كانت تشكّل الاتحاد السوفييتي البائد. وتبدو المراهنةُ على تحالف إقليمي موسّع، يخفّف من حدّة مأزقها، أمرا مستبعدا في ظل الحسابات الجيوسياسية التي تحكُم هذه الدول، سواء في علاقتها بروسيا أو بالغرب عموما.

ستكون لخسارة روسيا الحرب تداعيات جيوسياسية عميقة، أبرزها إعادة بناء النظام الدولي وصياغة علاقات القوة على أسسٍ جديدة، وتشديد الخناق على الصين التي ستجد نفسَها في وضعٍ لا تُحسد عليه، قد يدفعها إلى إعادة النظر في طبيعة أدوارها على مسرح السياسة الدولية. وقد لا يقف الأمر عند ذلك، إذ لا يُستبعد أن يتداعى البناء الروسي ويتفكّك من الداخل، مع عجز النخبة الحاكمة عن إيجاد مخرج للأزمة من دون تكاليف كبيرة، واتّساعِ قاعدة المعارضة التي قد تجد في ذلك فرصةً للنزول إلى الشارع، أمام وجود نزعاتٍ انفصاليةٍ نائمة داخل الاتحاد الروسي، لا شك أنها تتحيّن الفرصة للتعبير عن نفسها في مواجهة ما يعتبره كثير منها هيمنةً روسيةً تاريخية طويلةً على سيادة بلادها ومقدّراتها. وربما يكون هذا ما يرمي إليه الغرب على المدى البعيد، بشكلٍ يعيد السيناريو الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أدّت خسارة ألمانيا الحرب إلى تفكيكها وتقسيمها إلى دولتين.