هل تحقق إنجاز لصالح الفقراء في مصر؟
زفّ رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، البشرى لشعبه: لقد انخفضت نسبة الفقر للمرّة الأولى منذ نحو عشرين عاما. اعتمد الإعلان الذي تم إطلاقه في مؤتمر صحافي، أول من أمس الخميس، على أرقام بحث الدخل والإنفاق الذي ينشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل عامين. وعلى الرغم من أن أرقام الجهاز يمكن، بشكل عام، التفاعل معها بجدّية، بموجب أنها خاضعةٌ لمتابعة وثيقة من الجهات الدولية المانحة والمُقرضة، إلا أن التفاصيل تكشف، بوضوح، التلاعب في المنهجية، بهدف الوصول إلى نتائج معينة. ببساطة، إذا صممت الآلة لتعطيك منتجا بعينه فستحصل على ما تريد.
الملاحظة الجذرية الأولى هي في اختيار المدى الزمني، حيث لا تشمل البيانات الفترة بعد مارس/ آذار 2020، أي أنه تم إخفاء آثار وباء كورونا، كأن عدم الحديث عن الأزمة يعني اختفاءها تلقائيا! إذن، تحدّثنا هذه الأرقام عن لحظة ماضية، تم اختيارها بشكل متعمّد، وليس عن الوضع الآن.
وللمفارقة، نشرت جهات حكومية أخرى تفاصيل عن الأوضاع الاقتصادية في ظل الوباء، أبرزها الجهاز المركزي للإحصاء نفسه، والذي نشر، في يونيو/ حزيران الماضي، دراسة جاء فيها أن أكثر من نصف المشتغلين في مصر قد تأثرت أيام عملهم سلبا، وأن نحو 26% من الأفراد فقدوا أعمالهم. قالت نحو نصف الأسر إنها اضطرّت لضغط إنفاقها على الطعام، وإنها لجأت إلى الاقتراض، بينما لجأت 17% من الأسر للمساعدات الخيرية، وحصلت 5.4% على المنح الحكومية للعمالة غير المنتظمة.
الملاحظة الثانية، حول تعريف "الفقر"، فقد ارتفع خط الفقر من 735 جنيها شهريا إلى 854 جنيهاً فقط (54.6 دولارا) أو 28,4 جنيها في اليوم (1,8 دولار). لو تم تطبيق معايير أخرى لاختلفت النسبة. على سبيل المثال، يحدد البنك الدولي 1.9 دولار في اليوم خطّاً للفقر.
الملاحظة الثالثة، النسبة التي تم إعلانها، وهي 29.7% انخفاضا عن 32.5 % تظل أعلى من نسبة الفقر قبل بدء خطة الإصلاح الاقتصادي، حيث كانت 27.8%. لذلك من المبكر للغاية إصدار أحكام عن مدى فعالية تلك الخطة، على الرغم من كل الإشادات الدولية بأرقام النمو، والتي لم تتم ترجمتها لتنمية مستدامة حتى الآن على الأقل.
كما لا تُظهر مؤشّرات اقتصادية أخرى أن تضحيات من تم إفقارهم تمت ترجمتها لطفرة حقيقية، فيما يخص رفع معدلات الإنتاج. على سبيل المثال، بلغت صادرات مصر غير البترولية عام 2019 نحو 25,5 مليار دولار، وهو ارتفاع يبقى محدودا بالمقارنة بـ 19.5 مليار دولار عام 2016 (عام قرار تعويم العملة). وبالمثل، لم تسجل أرقام الاستثمار الأجنبي، ونسبة الصناعات التحويلية من الناتج المحلي (16.6% في العام المالي الأخير)، وغيرها من المؤشّرات، تحسنا يتناسب مع الأعباء التي تحمّلها المصريون.
صحيح أن قطاع العقارات وفر ملايين من فرص العمالة، مدفوعاً بطفرة "المشاريع القومية"، لكن فرص هذا القطاع في عمومها منخفضة الأجر، وغير مستقرة بطبيعتها.
على جانب آخر، السياسة لا تفارق الاقتصاد، خصوصا في بلد يعتمد على السياحة (بلغت إيراداتها 13 مليار دولار عام 2019)، ويأمل في جذب الاستثمار الخارجي المباشر، تحديدا من الضفة الأوروبية المقابلة شمالا. وليس المقصود هنا الموقف من الأنظمة، ديمقراطية أم سلطوية، بل هو الموقف من السلطوية الرشيدة وغير الرشيدة.
تسجّل مصر مراتب متأخرة في مؤشّرات "سيادة القانون" في التقارير الدولية، ما يدفع شركاتٍ أجنبية عدة إلى اشتراط التحكيم الدولي، قبل أن تدخل السوق المصري، كما أن الأصداء الدولية لأخبارٍ مثل القبض على فتاةٍ ارتدت ملابس الفراعنة وغيرها ليست بالتأكيد مما يرسم الصورة الذهنية المأمولة.
بالتأكيد، سيسعدنا تراجع الفقر وارتفاع التعليم ونجاح التنمية، ليس فقط بدوافع إنسانية، بل أيضا لأن هذا تحديدا هو ما يُقرب من التحول الديمقراطي، وليس الإمعان في الإفقار والتجهيل. ولكن واضحٌ أن من المبكر للغاية طرح فكرة "المستبد التنموي" على المسار الاقتصادي الحالي، وإنْ ما زال قيد التشكل.