هل أخطأ "تلفزيون سوريا"؟
لا مجازفة في القول إن غالبية من خاضوا، أو شرّقوا وغرّبوا، في "السوشيال ميديا"، بشأن ما تحدّث فيه المحامي والحقوقي السوري المعارض، هيثم المالح، عن مواطنته الناشطة المغيّبة، رزان زيتونة، لم يشاهدوا المقابلة التلفزيونية معه على شاشة "تلفزيون سوريا". بل في الوُسع أيضا ترجيح، إن لم يكن تأكيد، أن الذين كتبوا مطالبين القناة الفضائية بسحب المقطع الذي يأتي فيه حديث المالح عن زيتونة، وباعتذارها عن بثّه، لم يشاهدوا المقابلة، ولم يسمعوا ما قاله الرجل الذي بدا عند كثيرين أن أعوامه التسعين أمرٌ يُؤاخَذ عليه (!). وأول ما يمكن التعقيب به على هؤلاء أن هيثم المالح، في إجاباته عن أسئلة الزميل شعبان عبود بشأن رزان زيتونة، أورد تفاصيل عملٍ يوميٍّ في مكتبه للمحاماة في دمشق، وتحدّث بدقةٍ، ومن ذاكرةٍ حية، وسرد ما لديه، ولا أحد يمكنه الرد عليه سوى زيتونة نفسها، في شأن خلافٍ، يتّصل بالعمل، وقع بينهما في مكتب محاماة يتبعه، وجعله مقرّا للجمعية السورية لحقوق الإنسان. ولم تبدُ في نبرة الرجل أي إساءةٍ منه إلى شخصها، أو تبخيسٍ منها، وإنما يتضح مما قاله إن ما جرى كان خلافا بشأن علاقة موظفةٍ بمرؤوسها في مسألةٍ محدّدة. ولمّا كان الطرف الثاني المعني بالحكاية مغيّبا، يبقى ما قاله هيثم المالح، على المستوى المهني الوظيفي المحض، لا يدينُه في شيء، ولا يسيء إليه، بل قد يبدو مقنعا، سيما وأن الرجل كرّر وصفَه تلميذتَه التي تدرّبت على المحاماة في مكتبه، وعملت لديه خمس سنوات (كما قال)، بأنها ذكيةٌ ونشيطةٌ ومتتبّعة، وتفهم عملها، ونظيفةٌ وطنيا. وأفاد أيضا بأنه استوضح لاحقا من القياديين في "جيش الإسلام"، زهران علوش وإسلام علوش، عن مصيرها، بعد أن ذاع أن هذا التشكيل هو الذي اختطفها، (في ديسمبر/ كانون الأول 2013 مع وائل حمادة وسميرة الخليل وناظم حمادي) في دوما، وأفاد بأنه كان يسأل من باب أن رزان في مقام ابنته (قال إنها في عمر أحفاده).
لقد وجد زملاءُ وأصدقاء سوريون في الذي رواه هيثم المالح عن سبب خلاف زيتونة معه في عملها في مكتبه للمحاماة استهدافا لها، وبالتالي سببا مُضافا للتعاطف معها، وهي التي تستحق، بجدارةٍ مؤكّدة، وصفها ريحانة الثورة السورية وأيقونتها. ولا جدال في وجوب هذا التضامن والتعاطف معها (ومع رفاقها). والغالب أن حالَها المؤسف هذا، أو المُفزع على الأصحّ، هو وراء ازدراء ما قاله المالح، والاصطفاف ضدّه في واقعة خلاف رئيس عملٍ مع موظفته، فلو كانت زيتونة حرّةً، وحاضرةً بيننا، أو أقلّه لم تختف في جريمة اختطافٍ خسيسة، لربما أعمل بعض الساخطين على الحقوقي السوري المعروف (التسعيني كما يستحسنون وصفه!) جدالا مع أنفسِهم بشأن صلة عمل موظفةٍ برئيسها، مثلا، ولأمكن أن يصير الاصطفاف مع رزان، لمن أراد هذا، خاليا من شحنات التعاطف القوية معها، أو أن يصير الاصطفاف مع المالح بصفته ربّ عمل، وليس غير. وفي الحالين، بعيدا عن إحالاتٍ تسيء إلى الرجل بدوافع الترافع عن امرأة مناضلةٍ مختطفة.
وبشأن قوله عن عدم احتشام رزانة زيتونة الكافي في لباسها لمّا اختُطفت في دوما، ما يجعل هذا سببا محتملا لما صار لها في بيئةٍ محافظةٍ متشدّدة، كان من الأوْلى أن يتحرّز المالح كثيرا، وهو يأتي على هذه المسألة، أو أن لا يأتي عليها أبدا. أمّا وقد فعل، فإنه، لم يقل هذا الكلام، من باب التشنيع بالمناضلة المعروفة، أو التجريح بها أخلاقيا لا سمح الله. كان يُبدي وجهة نظر بكثيرٍ من العفوية والعادية، ومن دون علائم سوء نية، وكان حسنا جدّا من محاورِه أنه جادله في هذا الكلام، ولم يكن ردّ المالح عليه متعسّفا أو مكابرا أو معاندا.
في كل حال، لم يتضمّن كلام هيثم المالح أي إساءةٍ جارحةٍ في شخص رزان زيتونة، أو مسّا بها من أي نوع مرفوض، أو تعريضا بسمعتها. وبالتأكيد، لو أن شيئا من هذا جرى لفعل الزملاء في "تلفزيون سوريا" ما يجب فعله، بتْر هذا الكلام والامتناع عن بثّه. ولمّا خلا ما سمعناه من الرجل على الشاشة من أي تعبيراتٍ قد توحي بأيٍّ من هذا، يصير من غريب الغرائب أن يشيع حديثٌ مرتجلٌ، على عواهنه، وبعيدٌ عن أدنى مهنيةٍ، عن "سقطةٍ" وقع فيها "تلفزيون سوريا"، فتتم مطالبة القناة بسحب هذا المقطع من المقابلة المطوّلة مع الضيف المعني، بسبب هذا "الخطأ" الذي ارتكبه. وهنا، يلزم القول إن من أراد التشنيع على هيثم المالح، باستدعاء حكاياتٍ وقصصٍ أخرى، فذلك يصبح خارج سياق المادّة التلفزيونية موضوع المزاودة المتعجّلة التي سارع إليها من لم يشاهدوها، ومن لا يعرفون أبجديات المحاورات التلفزيونية، وكيفيات تقديم شهادات أهل الخبرة والمعرفة وأصحاب التجارب.
بإيجاز، هيثم المالح موضوعٌ آخر غير موضوع مقابلته في "تلفزيون سوريا"، وغير حديثه عن رزان زيتونة الذي لم يتضمّن أي إساءةٍ إليها إطلاقا.