هذا التحالف الصيني

01 أكتوبر 2023
+ الخط -

لماذا لم تستضف الصين بشّار الأسد في دمشق بدلًا من جلبه مخفورًا إلى بكين؟ هذا السؤال مشروع، ما دامت الصين تجشّمت عناء إرسال طائرة تابعة لها إلى دمشق لنقل فخامته إليها، على اعتبار أنه لا يجرُؤ على مغادرة دمشق على متن الخطوط الجوية السورية. كان يكفي أن ترسل الصين عامل "البوفيه" في وزارة خارجيتها إلى دمشق، لإجراء المباحثات المقرّرة بين الطرفين، وتوقيع الاتفاقية "الاستراتيجية" التي هلّلت لها وسائل الإعلام في البلدين، من دون الحاجة إلى كلّ هذا العناء، وتحمّل تكاليف الطائرة ووقودها وإقلاق راحة الطيّار بهذه المسافة الطويلة والشاقة.
كان يمكن أن تستضيفه، فعلًا، في دمشق؛ لأنه ليس أزيد من عابر سبيل في بلده الذي لفظه، لكنه علق في حلقه كشوكة سمك بفضل من أعادوه عندما كان موشكًا على الهرب في أوج ثورة الربيع السورية، وأراهن أنه يحتفظ بحقيبة سفر جاهزة للفرار عند أول خطر يهدّد حياته.
السؤال الأهمّ: ماذا تريد الصين من رئيسٍ لا يسيطر على ربع دولة، ولا يجازف بالخروج من باب البيت بلا دعم خارجيّ، ولا يعترف بشرعيّته الرئاسية سوى حرسه، وأجهزة استخباراته، وبضعة تجار نهبوا البلاد والعباد؟ وما نوع التعاون "الاستراتيجي" الذي يمكن أن ينشأ بينهما؟
هل تسعى إلى إعادة إعمار سورية فعلًا كما ورد في بيان التعاون؟ إذا كان ذلك كذلك، فقد اختارت الشخص الخطأ للتوقيع على مثل هذه الاتفاقية؛ لأن من دمّر بلاده بيديه لا يعنيه الإعمار، ولو كان يستهويه ذلك لأبقى بلاده عامرة، ولبّى مطالب شعبه. لكن من الواضح أنه رجل خراب، وهدم، واستلاب حقوق، بدليل أنه، في أحد تصريحاته التلفزيونية أخيرا، قال إنه غير نادم على خياره العسكري ضدّ انتفاضة الشعب، وأنه لو عاد به الزمان إلى بدايات الأحداث لكرّر الخيار نفسه. ما يعني أنّ أي إعمار ستشهده سورية لاحقًا سيكون مصيره معلومًا؛ لأن الشعب السوري، هو الآخر، لن يتخلّى عن مطالبه، وذلك واضح من انتفاضة السويداء. أم لعلّ الصين ترنو إلى قبض ثمن مواقفها الداعمة نظام الأسد في المحافل الدولية، إبّان الأزمة، سيما وأنها عمدت إلى استخدام حقّ الفيتو 11 مرة في مجلس الأمن ضدّ أي قرار يدين بشّار الأسد ونظامه، وهو ما يثير الغرابة من دول عظمى لم تزل تدعم الدكتاتوريات والأنظمة الفردية، تستوي في ذلك الإمبراطوريات الرأسمالية والاشتراكية.
مقابل ذلك، نتساءل: ما الذي يريده الرئيس بشّار الأسد من الصين؟ ربّ قائل إن الإجابة بدهية ومعلومة من رئيس ما زال على حافّة هاوية الحكم. لكن، وللإنصاف أيضًا، حتى لا نظلم الرجل، وردت عبارة في أحد تصريحاته في بكين خلال توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي، عندما تحدّث للمرّة الأولى عن "الأخلاق"، فقد امتدح فخامته السياسة الصينية التي تقوم على الأخلاق في علاقاتها الدولية، قبل تحقيق المصالح والهيمنة. والحال أن الأسد لم يكن ينقصُه غير اعتمار العمامة وحمل المسبحة وهو يتحدّث، بكلّ هذه السماحة، عن المبادئ والأخلاق، فالرجل وجد ضالّته الأخلاقية في الصين، لكنه أسقط الحديث عن "أخلاقه" هو التي نسيها في أحد البراميل المتفجّرة على ما يبدو.
حقًّا، عن أيّ أخلاق تحدّث رئيسٌ تسبّب بمقتل نصف مليون شخص في بلده، وتشريد أزيد من ثلاثة ملايين سوري في المنافي؟ وما نوع الأخلاق التي تستهويه بعدما أباد نحو 15 ألف سجين سياسي في سجونه خلال حرب "التطهير" التي قادها على شعبه، لأنه جازف بطلب حريته؟
أما إن صدق الأسد، فينبغي عندها أن ندين المادح والممدوح، معًا، فإن كانت الصين تتحرّى الأخلاق فعلًا، في علاقاتها الخارجية، فلماذا حمت المجرمين الخارجين على إرادات شعوبهم، ودعمتهم بالمال والسلاح و"الفيتوهات". أين ذابت مزاعمها "الأخلاقية"، وهي ترى شعبًا يباد بأكمله؛ على يد طاغيته.. هل يحقّ لها الحديث عن الأخلاق؟

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.