نفتالي بينت وركل قضية فلسطين
بات واضحًا أنه مع تفاقم خطر انتهاء عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نفتالي بينت، سيلوّح هذا الأخير أكثر من أي شيء آخر بأنه في موقفه من الفلسطينيين، والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، والقضية الفلسطينية عمومًا، كان يمينيًا أكثر من الزعيم التقليديّ لليمين الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (شقّ بينت طريقه السياسي من خلال عمل مشترك معه) بعشر درجات على الأقل، مثلما سبق أن صرّح.
وقد عمّم بينت، في مناسبة مرور أول عام على تأليف حكومته والتي صادفت في الأيام القليلة الفائتة، مذكّرة بهذا الشأن أعاد إلى الأذهان فيها أنه أعلن، منذ أول أيام تسلمه مهمّات منصبه، أنه لن تكون مفاوضات مع القيادة الفلسطينية، وكان بذلك أول رئيس حكومة إسرائيلية يجاهر بمثل هذا الموقف، منذ انطلاق مسار أوسلو في 1993. ونوّه بأن وتيرة الاستيطان استمرّت في الضفة والقدس المحتلة، بما في ذلك تثبيت بؤر استيطانية تعتبر "غير قانونية" في العُرف الإسرائيلي، إلى جانب عدم إخلاء بؤر كهذه صدرت عن المحاكم الإسرائيلية قرارات بضرورة إخلائها. يُضاف إلى ذلك ارتفاع وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك، واشتمالها على ممارسة صلواتٍ يهودية، وتشديد إجراءات التهويد وهدم المنازل الفلسطينية في القدس بموازاة تجريم رفع العلم الفلسطيني وغير ذلك.
في واقع الأمر، يتبنّى بينت مقاربة ركل القضية الفلسطينية قبل أن يصبح رئيس حكومة، ويعتبر أن أقصى ما يمكن أن تركّزه إسرائيل من جهود حيال هذه القضية، هو التوصل إلى "مشروع مارشال" من أجل الفلسطينيين، والاستعاضة عن حل القضية الفلسطينية بإطلاق مبادراتٍ في مجالات التربية والسياحة والهايتك على المستوى الإقليمي، مع ما يشفّ عن ذلك من عقلية استعلائية صهيونية تقليدية.
وهو يعتقد، مثلما أكد في سياق مقابلة أدلى بها قبل خمسة أعوام، وكانت موجهة "إلى العرب"، أن هناك "دولتين فلسطينيتين": واحدة في غزة وأخرى في الأردن، ولذا لا مكان لدولة ثالثة. .. ومما قاله في حينه: إذا كانوا يريدون دولة فلسطينية أخرى، إضافة إلى الدولة في غزة، فهذا لن يحدث. هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق وليست صحيحة. ومن المهم تحديد توقّعات واقعية، ويُفضّل أن تتابع كل الأطراف أسلوب حياتها بدلا من أن تُحدّد أهدافًا واهية تؤدّي إلى جولة عنف قابل للانفجار. وقد شهدنا ذلك بعد المفاوضات في كامب ديفيد (2000)، حيث اندلعت من بعدها الانتفاضة الثانية. وأشار إلى أنه اقترح برنامجًا تضم إسرائيل في إطاره مناطق ج في الضفة الغربية إليها وتمنح مواطنة إسرائيلية للفلسطينيين فيها. كما يعتبر أن إخلاء أي مستوطن إسرائيلي من أراضي 1967 يشكّل مسًّا صعبًا بحقوق الإنسان.
وعندما طُرح عليه سؤال فحواه: هل تعرف أنكَ تعتبر متطرّفًا جدًا في العالم العربي؟ أجاب: منذ سنوات ثمّة من يعمل على رسم صورتي بشكل غير صحيح. أنا لا أكره العرب أبدًا، وفي الوقت ذاته، لا أحبهم بشكل خاص أيضًا. أعتبرهم بشرًا وأعرف أننا نعيش في بيئة فيها عرب. كما شدّد على أنه إنسان مؤمن، ويعرّف نفسه بصفته يهوديًا بشكل أساسي، واليهودية هي هويته الأولى، ولا ينبغي بالإيمان أن يشكّل عائقًا أمام التعايش أو السلام. ولكنه، في الوقت عينه، أكّد أنه لا يعيش في عالم مثالي، ولا يعتقد أنه ستنشأ "جنة عدن" من العيش المشترك أو "شرق أوسط جديد".
في ذلك الوقت، أشار كاتب هذه السطور إلى أن ما قاله بينت انطوى، في العمق، على معنى محدّد مؤداه أن شرعية العرب كبشر مشروطة بـ"إقصائهم أخلاقيًا"، وهو تعبير للباحثة الاجتماعية - النفسانية الأميركية سوزان أوبوتو لتوصيف عملية إقصاء أفراد أو جماعات "خارج الحيز الذي تسري عليه القيم الأخلاقية والقوانين والاعتبارات العقلانية". وبرأيها، الذين يجري إقصاؤهم من الناحية الأخلاقية، يُنظر إليهم بوصفهم عديمي الأهمية وغير ضروريين أو غير لائقين. ولذا، يعدّ التعرّض بالمساس لحيواتهم أمرًا مقبولًا، لائقًا أو مُبرّرًا!