نظرة جديدة في القصص القرآني

19 يوليو 2021
+ الخط -

أصدر الباحث والأكاديمي التونسي، محمد زروق، عن سلسلة الورّاق في تونس (2020) كتابه التطبيقي "عين الله"، قدّم فيه قراءة جديدة للقصص القرآني، انطلق فيها من عدة دوافع موضوعية وجمالية، من أهمها فتح النص القرآني على الدراسات الحديثة، وتجديد النظر في بنياته الداخلية، وبالتالي عدم حصر الاشتغال القرآني فقط في المؤسسة الفقهية، وفتحه على حقول النقد الأدبي: "لعل ذلك يرد إلى أن المؤسسة الفقهية قد تلقفت أمر القصص وأدخلته مجالها، إذ ابتعد عنه أهل النقد" ص 18.
بعد التقديم الذي شرح فيه المؤلف دوافع كتابه، والمقاصد التي قادته إلى تقديم نظرة جديدة للقصص القرآني، ومنها "الافتقار إلى الجدّية في التعامل مع الخطاب القصصي القرآني" ص 12، يشرح في فصل أطلق عليه "مهاد نظري" المراجع التي تناولت القصص القرآني، والتي كانت في أغلبها" طوباوية" ذات منطلقات فكرية غير سردية، لا تتأمل الخطاب القصصي القرآني في معزلٍ عن "الأهواء". وفي هذا المهاد، يقف القارئ على تفاصيل تحقيبية للقص في التاريخ والتراث العربي والإسلامي، وموقف المجتمع والدولة من الظاهرة القصصية، إلى جانب المراحل التاريخية التي كان فيها القاصّ يأخذ فسحةً من الانتشار والذيوع، وهي الفترة التي انتشرت فيها الحكايات والمرويات الشفهية على نطاقٍ واسع.
وفي فصلٍ تالٍ حمل عنوان "القصص القرآني: رؤية الإله العليم"، يفرّق الكاتب بين مستويين ووظيفتين سرديتين، المتكلم والمتلفظ، متحدثا عن ثراء تعدّدي في القرآن "يغلب على السرد القرآني إطلاق ألسنة الشخصيات واكتفاء المتكلم الرئيس- مبدئيا وشكليا- بنقل أقوالها في صيغتها المباشرة، ولذلك فإننا نلقى تعدد أصوات كثيفا في هذا القصص" ص 57. وفي الفصل المعنون "استعادة القول في القصص القرآني"، يجول الكاتب في شرح تطبيقي للأهمية المقامية لتكرار آياتٍ كثيرة في القرآن، وتكرار مفردات أحيانا في آية واحدة، حيث يرى ذلك التكرار مقصودا وله وظائف عديدة "كل إعادة تأخذ مقاما تخاطبيا مختلفا"، حيث يرى أن ثمّة "قراءة قاصرة للنظر تسود تفسير الاستعادة في القرآن، ومقارباتٍ لا ترقى إلى فهم المقاصد الخطابية للنص". ويجد أن دراسات حديثة لجامعيين عرب تتسم بالسطحية والميل إلى مطلق التقديس، "من دون حجّة أو منطق في الدراسة، وهي مقارباتٌ ضعيفة لم ترقَ حتى إلى معالجة شرّاح القرآن ومفسّريه، إذ غلبت عليها الدوغمائية والأفكار المسبقة، والانطلاق من إعجازية القرآن من دون تدبّر أو تفكر. وفي المقام ذاته نشير إلى تصور عكسي، وهو أيضا دوغمائي، يصدر من البحث عن التكرار لبيان أرضية الإنتاج القرآني، مظهرا ضعف الخطاب القرآني، ويرد التكرار إلى وضع الواضعين، إثباتا لبشرية خطاب القرآن، وهو لا يختلف عن التصوّر الأول في الحكم بالهوى، دون تدبر النص وتعقل بنائه ووصله بمقام إنتاجه" ص 73.
وفي الفصل الذي حمل عنوان "القصة القرآنية المفتتة: ثنائية العصيان والغفران"، يركز الكتاب على بني إسرائيل، حين توجه إليهم الخطاب القرآني في فقرات متقطعة، ولكن الكاتب يثبت أن هذا التقطيع كان ممسوكا ببنيةٍ صلبة في العمق، وهو ما حاول إثباته في تأمل دقيق لتزاوج سير الأفعال والأقوال، كما أن هذه القصة المقطعة "تقصد مخاطبا ثانيا هم المسلمون" ص 115، وما تعدّد الضمائر وصيغ الخطاب إلا إثبات بأن "الله عادل في توزيع أصوات المتلفظين داخل الخطاب القصصي" ص 117.
وفي الفصل الأخير "نظر في سورة الشعراء"، وهو اختيار واع، لأن هذه السورة تضمنت خطاب أكثر من نبي ورسول، ولذلك تعدّدت فيها صيغ هذا الخطاب. وقد دقق الكاتب النظر في الوصول إلى نتيجة تطبيقية، مفادها "لقد حاولنا من خلال النظر في سورة الشعراء أن نتبين العلة التي جعلت المتكلم يقدّم سردا في الظاهر متنافرا لا يشدّه وتد، وفي العمق، هو آخذ بعضه برقاب بعض" ص 142.
كتاب "عين الله" قراءة جمالية واجتهاد منهجي ملفت لفهم البنى الحكائية واللغوية للقصص القرآني، تفتح الذهن على زوايا جديدة لقراءات النص المقدس.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي